سلايدرما وراء الخبر

كم يلزم لبلوغ نهاية النفق؟؟

محمد التويجر

بترقب مشوب بالحذر، موزع بين التفاؤل والتوجس، ينتظر المغاربة قرار الحكومة المرتبط بالرفع التدريجي للحجر الصحي من عدمه.
للترقب ما يبرره، بالنظر إلى أن تقييد الحريات غير مرحب به لدى البشرية جمعاء، لكن ظرفية فيروس كورونا الاستثنائية فرضت مخالفة ناموس حياتها المعتادة، بعدم مغادرة المنازل إلا للضرورة القصوى، تحصينا لقاطنيها ضد فيروس قارب عدد الذين قضوا بسببه عبر العالم 320 ألف ضحية  و 4750000 مصاب.
بكل تأكيد، ما كل ما يتمناه الإنسان مدركه، وطبيعة النتيجة المحققة يتقاذفها عنصران مؤثران: الحظ والتدبير العقلاني. لكن وباء كورونا يفرض التعامل مع الوضع بتغليب الخيار الثاني، واستبعاد الحظ كما العاطفة. فرغم التكتم الذي يطبع عمل لجنة اليقظة الصحية التي تضع حاليا لمساتها الأخيرة على إعداد التوصية التي ستعتمدها حكومة سعد الدين العثماني بعد 20 ماي الجاري، كل المؤشرات تسير في اتجاه أن هناك تمديدا ثالثا في الأفق، ما دامت الأرقام المرتبطة بالحالة الوبائية غير مستقرة، ولا تعطي الانطباع بأنها بلغت مرحلة التسطيح، فما بالك النزول، في ظل استمرار البؤر المهنية والأسرية  بجهات البيضاء وطنجة  وفاس ومراكش، وبدرجة أقل الرباط.
نعي بأن لنا أحبة وأهلا ومقربين افتقدنا طيفهم، نتشوق للاطمئنان على أحوالهم، خصوصا خلال رمضان الفضيل، المفتقد هذا العام للكثير من العادات والطباع الاجتماعية والدينية التي كانت تميزه في السابق…ونتفهم معاناة قرابة 27000 من المغاربة العالقين خارج الحدود، المنتظرين على أحر من الجمر الترخيص لهم بمعانقة تراب الوطن. لكن الواقع لا يرتفع…فالوباء ما زال مترصدا، متأهبا للضرب بقوة، مستغلا تعامل عينة من مجتمعنا بتهور واستهتار مع الإجراءات الاحترازية التي اعتمدتها الجهات المختصة .
تهور هؤلاء ومحدودية فكرهم، المتخفي وراء معتقدات تواكلية لا صلة لها بتعاليم ديننا الحنيف، وتعامل بعض أرباب المعامل بفكر ميركانتيلي رأسمالي نفعي متوحش، دون إعارة الجانب الصحي لمستخدميهم العناية اللازمة، سببان رئيسيان جعلانا أسرى انتظار قاتل، ونفسية مهزوزة، وحنين لا يقاوم لعاداتنا التي ميزت زمن ما قبل كورونا.
هي فرصتنا لتقويم اختلالات سلوكنا اليومي، لعلها تقودنا إلى مغادرة هذا النفق المظلم، والتحرر من الكابوس المفزع الذي يخنق أنفاسنا منذ شهرين .
كلنا مسؤولون، وإن بدرجات متفاوتة، على استمرار حالة الترقب هذه. وتمديد الحجر الصحي – إن اعتمد – سبيلنا لإعادة النظر في سلوكنا الأناني، والتفكير في فئات عريضة من جنود هذا الوطن، المرابطين بشوارع وأزقة مدن المملكة من قوات مسلحة ودرك وشرطة وقوات مساعدة، وملائكة الرحمة في شخص الأطباء والممرضين والوقاية المدنية وعمال النظافة، وسائقي الشاحنات الذين يقضون الليل متنقلين بين الطرقات لتوفير المعيش اليومي لنا نحن الماكثين في بيوتنا .
علينا استحضار جهود وتضحيات كل هؤلاء، أخذا بعين الاعتبار أن غالبيتهم لم تجالس أبناءها منذ أول يوم أعلنت فيه حالة الطوارئ الصحية….
مصيرنا بين أيدينا، عبر تغليب مصلحة الوطن ومن يقاسمنا شرف الانتماء إليه من مواطني الداخل والعالقين بالخارج، حتى تنزاح هذا الغمة، وتستعيد شوارعنا حركيتها المعتاد، بفارق جوهري هام مقارنة مع السابق، يتمثل في القطع مع الكثير من العادات السيئة، من قبيل الازدحام والتحايا المبالغ فيها، وعدم احترام مسافة الأمان، والبصق في الطرقات، ما دام أن ضيفنا ثقيل الظل، مصر على مشاركتنا فضاء عيشنا لمدة أطول …
مدركون أن الجميع أصيب بالملل، ويحن لزيارة الأهل والأحباب بمناسبة عيد الفطر المختلف هذا العام عن سابقيه، بنفس درجة اختلاف رمضان هذه السنة عن المواسم الخالية….لكن على هذا الجميع أن يتسلح بمزيد صبر والتزام حتى نعبر حقل الألغام بأقل خسائر، فاسحين المجال لعودة الحياة إلى شرايين مجتمعنا، مستمتعين بسماع صوت المؤذن خمس مرات من داخل المسجد بدل المنازل، سامين بفكرنا ووجداننا، خلف الإمام، في الملكوت الأعلى، متحررين حين ركوعنا وسجودنا من همومنا الدنيوية، متدبرين في عظمة مبدع الكون.
كورونا شدة وتزول، كما انزاحت الكثير من الشدائد والمحن…شريطة الالتزام والمكابدة وتغليب مصلحة الجماعة على مختلف أشكال النزوات الفردية.
في متم النفق يبرز سنا الانفراج، لكن كم يلزم من وقت لبلوغه ؟؟….الأمر بأيدينا جميعا، فلنلزم بيوتنا حتى تخف العاصفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 + ثلاثة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض