
تجليات السيرة النبوية في الشعر الملحون – الحلقة 27
د. منير البصكري الفيلالي / أسفي
قد يطول تعداد النصوص الملحونية التي تحدث من خلالها شعراء الملحون عن صفاته وشمائله صلى الله عليه وسلم. من ناحية أخرى، هناك موضوعات شغلتهم أيضا وهم يتناولون السيرة النبوية، ما يسمى بالتصليات، أي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيها عليه محاولا أن يبلغ بصلواته أكبر عدد يمكن تصوره أو تخيله. يقول الحاج محمد بن علي المسفيوي:
صلى الله على اشفيعنا عد ما خلق لكريم يدرج من فوق اتــــراه
ومـــا دب فداخـــل لبحــــــــــر من مخلوقات لا من يقوى يحصاها
صلى الله اعلى اشفيعنا عد ما طــاروا وارقــــاوا الجــو اعــــــلاه
صلى الله على اشفيعنا ما هبت لريـاح وارعـــود والبـرق اشعــــاه
وهذا الشيخ مولاي اسماعيل العلوي سلسولي يصلي على النبي الكريم ، عدد الأمطار وعدد ما يحظى به صلى الله عليه وسلم من جاه عند الخالق، وعدد الأزهار والنحل وأجباحها وعسلها. يقول:
الصلا والسلام أعليك قد لمطار وقد جاهك عند المولى يا المبرور
الصلا والسلام أعليك قد لزهار والنحل ألجباح وعسلها المعصور
ويرى الشاعر أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا حصر لها. يقول:
صلى الله أعليك وعلى الآل ألصحاب اسيادي قد لبحور أما ضمت عد لوحوش فلوهــــــــاد
صلـى الله أعليك عداد ما فقلبـــي وجـــــادي من عروق إنبضو ورواح من ماتو فالجهـــاد
صلـى الله اعليك عداد كل من جا والغــــادي في اركاب الحجاج إزور زهد فالمال ألـــولاد
يوم نضحى فمقامك ضيف يتسرح تكيــــادي وتعــــود ايـــامي بعد لحزان انزايه وعيــــاد
صلى الله اعليك يا خير اسم عليه اتنـــــــادي من زمانك حتــــى الآن عشاقك بالتمجـــــــاد
من اشواق البوصيري امداح المصباح الكادي والقوافي فالهمزية اشهود والبردة بالتفــــراد
بنسليمــــان الجزولـــي فالكتــــاب الوقـــــادي لمسمـــى ادليل الخيــــر شهدوا له النقــــــــاد
بالفصاحة ومعاني واضحة من غير اجحــــادي زد حسن والمغراوي كذالك لخضر من لمجاد ..
يظهر أن حب شاعر الملحون للرسول الكريم كان صادقا وعشقه له كان فياضا، حيث توسع الشاعر في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم ومدحه بقصائد رائعة، تعلوها مسحة من روحية المعنى وسمو العاطفة.
بل إنه جعل من حبه للنبي فنا قائم الكيان، ناضج الصور، مكتمل الخصائص. وحديث شاعر الملحون عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هو في الحقيقة حديث عن الحضارة الإنسانية في جانبها الإيجابي، حديث عن صنع أمة وبناء جيل لحمته القرآن وسداه أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام .. أو بعبارة أخرى، إنه استعراض لتاريخ مجيد، وشرح لبرنامج متكامل لا يعتريه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأنه تنزيل من حكيم مجيد. وحديث شاعر الملحون عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هو في الحقيقة حديث عن الحضارة الإنسانية في جانبها الإيجابي، حديث عن صنع أمة وبناء جيل لحمته القرآن وسداه أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام .. أو بعبارة أخرى، إنه استعراض لتاريخ مجيد، وشرح لبرنامج متكامل لا يعتريه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأنه تنزيل من حكيم مجيد.
كيف لا، وهو أعظم خلق الله كلهم، أنقذ البشرية من عقال الجهل والظلم والفرقة والتباين والعبودية، وهداها إلى نور المعرفة والمحبة والتآخي وغيرها من الصفات والمبادئ والقيم، مما لا يدخل تحت حصر. وصدق الله العظيم إذ يقول: “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين..” وقوله تعالى في موضع آخر في حق نبيه الكريم: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” .. فكيف لا يحق لهؤلاء الشعراء أن يعبروا عن حبهم الصادق للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو على هذه المكانة المرموقة السامية من المجد والعظمة والمكارم الأخلاقية والكمال الإنساني؟ إنها محبة تتعدى التعلق به لغاية أو هدف ما، إلى حبه لذاته محبة روحية وخالصة، تكسر الحدود وتصل إلى القلوب، فتجذبها إلى عالم الصفاء والكمال.