ثقافة

الدكتور عباس الجراري ، شخصية موسوعية متعددة العطاءات -الحلقة 27

إعداد : د. منير البصكري الفيلالي

  فعلا ، استطاع أستاذنا الدكتور عباس الجراري رحمه الله أن يقنع الجميع بتناوله الملحون بالدراسة والبحث والتحليل . فمن خلال كتاباته عن هذا النمط من التعبير ، أدركنا أن لقصيدة الملحون مذاقا خاصا ، يختلف عن الأدب المدون بالفصحى ، وذلك بما تتميز به من سهولة في التعبير ، وسلاسة في اللفظ وسلامته ، تستمد موضوعاتها من أقرب الأشياء إلى الإنسان ، كما تختار من اللغة العربية الفصحى أسهل الألفاظ كأداة للتعبير .. ومن حياة الإنسان اليومية نمطا من أنماط التفاعل والتجاذب وبذلك ، يبقى الشعر الملحون نوعا من أنواع الأدب الشعبي المغربي الحي والمتفاعل ، وهو ما يؤكده أستاذنا في معرض رده على أولئك الذين أنكروا عليه اتخاذ الزجل موضوعا لأطروحة جامعية . يقول : ” ولعلنا إذ نؤكد لهؤلاء جميعا أن الأدب الشعبي جزء ركين من التراث ، وأنه تعبير عن مقومات الشخصية الوطنية والذاتية الجماعية وتلك المقومات ، وأنه لو لم يكن كذلك ما حاول الاستعمار أن يعنى ببعض جوانبه ليتسنى له أن يتسرب من خلالها إلينا ليفهم عقليتنا ويدرك أعماق ثقافتنا وأصول حضارتنا لينسفها من الأساس . ”
   
إننا ونحن نقرأ كتابالقصيدة  ندرك صبر المؤلف الدؤوب في التعامل مع مادة الكتاب ، وهي كثيرة ومتشعبة ، مختلفة ومتعددة ، نرى من خلالها رسما كاملا لكل ملامح الشعر الملحون ، مما يجعل هذا الكتاب نمطا مهما من التأليف الرصين في مجال أدبنا الشعبي بالمغرب .. ذلك أن المؤلف انتقى من الشعر الملحون نماذج وجد فيها عونا على إثبات منهجه ، وهو منهج وصفي تسجيلي يعطيه إطارا قادرا على أن يتمثل الأدب المدرسي من جهة ، والأدب الشعبي من جهة ثانية ، وذلك انطلاقا من إيمانه بضرورة عدم وجود هوة بينهما . فهو إذن منهج يتشكل عنده في إطار ومحتوى ، أو نوع وكيف . وهي عناصر أسعفته كثيرا في دراسته لموضوع القصيدة الزجلية في المغرب ، حيث اقتضت منه معالجة هذه الظاهرة الأدبية بفكر نقدي ، يستند إلى الواقع ، وبجدلية وموضوعية تعتمدان على معطيات استقرائية واستنتاجات منطقية ، بعيدا عن كل موقف تبريري .
   
وبذلك ،حقق أستاذنا لهذه الدراسة نتائج جيدة ، في طليعتها الكشف عن هذا التراث الشعري وعن مخزونه المشتت هنا وهناك ، وعن الدلالات الفنية وما ينبثق عنها ، كما حقق رسوخ وسمو وأصالة الشعر الملحون من خلال وصف ظواهره وتعليلها والبحث عن بواعثها الخفية والظاهرة ، القريبة والبعيدة .
  
ولعله  ـ رحمه الله ـ قد استبان لنا من خلال الاطلاع على الكتاب ، قيمته وأهميته في حقل الدراسات المغربية التراثية ، خاصة ما يتعلق بأدبنا الشعبي . فهو كتاب مدعم بالوثائق والنصوص ، مما يجعله نتاجا علميا يستمد طبيعته ومقوماته من الموضوع نفسه .. وبالتالي  فهو مصدر وثيق أمين ، إضافة إلى أن نماذجه الشعرية منتقاة من مصادرها الأولى. وطبيعي أن هذا المنحى خليق بأن يجعل من كتابالقصيدةأثرا قيما ، متميزا عن باقي التآليف الأخرى..

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض