ثقافة

الإيمان القوي وحوار الاختلاف: بين سعة العقل وضيق الفكر

الدكتور محمد التهامي الحراق

لم يكن أجدادنا يخافون من طرح الآراء المخالفة، ومناقشة الآراء المناقضة لمذاهبهم وعقائدهم. كانوا أرحب منا صدرا، وأوسع عقلا، وأمتن إيمانا. وهم في ذلك قرآنيون إلى النخاع، حيث نجد القرآن الكريم يبسط بوضوح مواقف الكفار والمشركين والمنافقين وأقوال أهل الكتاب ودعاوى الدهريين.. في الله وفي النبوة الخاتمة وفي اليوم الآخر وفي القرآن؛ بل صارت هذه الأقوال جزءا من القرآن وآيات إلهية فيه يتعبد بها، ويؤجر تاليها.

فلماذا نحن اليوم نضيق صدرا بالرأي المخالف بدل أن نناقشه وننظر في حججه ونرد عليه بالعقل وبالمجادلة بالتي هي أحسن؟؟؟؟ لماذا نسارع إلى كيل الاتهامات والتصنيفات والتخوينات وإصدار أحكام القيمة والنعت بالتآمر …حيال كل مختلف؟؟…

لنتأكد أن اللجوء إلى هذا العنف الرمزي هو علامة ضعف لا قوة، وانهزام لا إقدام؛ فيما لا يقبل بالمختلف إلا راسخ القدم في الفهم، ولا يتساءل ويشكّ إلا راسخ الإيمان، من لا يخاف على دينه ولا يرتاب في يقينه الإيماني، ولنا في إبراهيم عليه السلام أجلى مثال في القرآن الكريم: “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ” (البقرة، 260).

المؤمن حقا، بهذا الاعتبار، هو أقدر الناس على طرح السؤال، وقبول الاختلاف، ومحاورة الآخر، وطلب الحق أينما وكيفما كان. بينما الهلع من المختلف شأن الضعفاء عقلا وعقيدة؛ وهو لا يحمي الاعتقاد، وإنما يؤجّل تفكيكه، ويحوّل التدين من طاقة إيمانية تُقدِر على الإبداع والفعل في التاريخ، إلى ملاذ هوياتي نفسي يجد فيه “المؤمن” هروبه وعزاءه، ويؤجل به تلاشيه إلى حين.

وشتان بين الأول القوي والثاني الضعيف؛ إذ “المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضَّعيف” كما يقول النبيُّ ﷺ في الحديث الصحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض