فن الملحون

فن الملحون، ذاكرة شعبية وشاهد تاريخي على ثورة الملك والشعب -الحلقة الثانية

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي ـ أسفي

لقد امتاز شعر كثير من شعراء الملحون بوطنيات صادقة تكشف عن حب دفين في القلوب تجاه وطنهم . فهذا الشيخ الحاج أحمد الطرابلسي ينظم في هذا المجال عدة قصائد منها ” المقاومة ” ذكر فيها جهاد الشعب والملك إلى أن نال المغرب استقلاله . ثم قصيدة ” الخائن ” في التشهير بالخونة الذين اتخذهم المستعمر الفرنسي أدوات مسخرة ضد وطنهم .. ومنها  “الغيبة ” وهي قصيدة وطنية في نفي الملك المجاهد محمد الخامس وعائلته إلى جزيرة مدغشقر . كما نذكر الشيخ ادريس المباركي الذي نظم هو الآخر في أيام الحركة الوطنية قصيدة في المقاومة ، يحث فيها المغاربة على مساندتها والتشبث براعيها جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله ، ومطلعها :
ما احلى كاس المنيا عل الوطان              كافحوا يا شبان اعلى اوطانكم
كما للشيخ عبد الحميد العلوي عدة قصائد في مدح بطل المغرب والاستقلال محمد الخامس .. وغير هؤلاء كثير لا تتسع هذه الحلقات لذكرها جميعا .
لقد تم تحويل بؤرة الاهتمام لديهم من القضايا الذاتية المحضة إلى القضايا الموضوعية التي تتصادم فيها الذات مع الاحتلال ، وتمتزج فيها المشاعر بمشاعر الجماهير الثائرة . يقول الحاج محمد بن عمر في نفي محمد الخامس وهو يدعو الله أن ينتصر المغاربة ويفرج الكرب ، وأن يخلصهم من يد أعدائه العصاة :
ربي ينصرنا عنهم لا بد الفلك ايدور والسوايع هذا حال الزمان
قالوا لدهــات ما تــدوم الشــدات
باللطف يتصرف لقضا فالازليا       يا العالم فرج كربنا يا غيــــــاث
ابجــاه سيــــد الســــــــــــادات        سيدنا محمد طه خاتم الانبيـــــا
لا تخلينا يا ربي فيد هاد العصات     مـ ن اعـليــنـــــا حكمـــــــــــات
إن الصراع الذي ظل محتدما بين الوطن والمستعمر ، قد خلق جوا موبوءا ، غاض المستعمر وأقلق راحته ، وجعله يئن أنينا من صفعة الشعب والملك . وهذه الحقيقة جعلت المستعمر يتأكد من يوم لآخر من أفول نجمه وزواله واندحاره .. فآمن بأن التاريخ ـ كما يقال ـ إنما تكتبه الشعوب بدمائها ونضالها وحبها لوطنها ، وأن الاستعمار ظل زائل ، لا أساس لوجوده ولا قرار . وهذا ما جعل الشعب المغربي يؤمن بحقه الذي يضمن له كرامته وعزته ووجوده ، فظل صامدا أمام العدو ، مستمدا قوته من إيمانه وعقيدته وإخلاصه وحبه لقائده . فكانت ثورة الملك والشعب خير نموذج لوجوه الالتقاء والتأثير المتبادل بين الملك وشعبه .
يقول الشيخ محمد بن عمر وهو يصف ثورة الشعب على إثر نفي الملك محمد الخامس طيب الله ثراه :
يا هلي معظم يوم السبت بانت ارجال      فالمداين خرجت بطرادها كاتقاتل
شبان افحول خارجين اكفول
ذا لهذا جذبان الحال سار في حــــال       كل واحد بلسانو كيصرخ قايــــــل
وينادي فالحجايف ولحفـول
يا هل الشعب المغربي اكهول واطفال      ما ابقى بعد اليوم اصبر يا السايل
به الشبان بالجميع اتقــــول
يوم الخميس امضى وابقى الحرب ما زال   عمر الثورا ما تهنا الشعب حامل
واليوم اهلو سيبو لحمـــول
ولعل استعراض بعض الشعراء لمختلف أسماء ملوك الدولة العلوية في قصيدة واحدة ، عنوان ثابت على التلاحم القوي القائم بين هؤلاء الملوك والشعب المغربي على مر العصور والأحقاب . وهذا نوذج من قصيدة للشيخ عبد القادر العلوي يقول فيها :
حب العرش وحب مالك واسلافو لحــنان
لملوك المقدسين من صالو عل الزمان بالبر المحصــــون
نعم العلويين سبط الرسول العدنـــــــــــان
مولايالشريف لعفيف أصل الجود ولحسان غياث المحزون
سيدي محمد يا هلي الأول غوث اللهفـــان
مولاي رشيد الراشد الرعية تدرك لجنان بالمال المخــزون
مولاي اسماعيل لعظيم جامع شمل لوطـــان
مولاي احمد وكذاك سيدنا عبد المالك ثاني فالعهد المحسون
مولاي عبد الله الشريف فضل باقي لــــلآن
مولاي علي من كان فالرعية فحيات عالي متكرم وحنــون
مولاي سيدي محمد مالكي ثاني كل الدهقـان
مولاي المستضيء من ضوا بضياه الديجان ما خلا مغبون
مولاي زين العابدين اسم ليلو تبيـــــــــــــان
سيدي محمد فالاسماء ثالث عهد عهداني تاريخ معـــــلون                              مولاي اليزيد لمخنطر ومولاي اسليمـــان
أما وهب وما اهداو للأمة كل احيان فضل اللامحــــــزون
وكذاك الملك لفضيل مولاي عبد الرحمــــان
ومولاي الحسن من تسمى باسم بسمات قرة كل اعيـــــــون
سيدي مولاي عبد العزيز لعزيز في كل مكان
مولاي حفيظ الحافظ الهبة الحايز لمعاني ما هي فمـتـــــون
مولاي يوسف وليد من سعد مغرب الضمــان
نعم الخميس امحرر لوطان أمفاجي لحزان لهجت به ألسون .
فهذه الأبيات صورة مشرقة تعكس مدى التلاحم القوي بين الشعب المغربي وملوكه العلويين على مر الأزمان ، وهو تلاحم يكشف عن نبل أخلاق هذا الشعب وعمق إنسانيته ، إذ لا شيء أدل على ذلك وأسمى من صدق تعبيره وإعجابه بملوك وطنه .
نعم ـ وكما أشرنا سابقا ـ أنه كان للظروف التاريخية في المغرب تأثير كبير في ازدهار فن الكلمة الشاعرة .. نذكر من ذلك تلك الجريمة الشنعاء التي أقدم عليها المستعمر الغاشم بإزاحته لرمز الحرية والاستقلال المغفور له  الملك محمد الخامس عن عرش أسلافه ، نظرا لمواقفه الوطنية الراسخة ، سعيا منه قدس الله ثراه ، ليعيش شعبه وهو يرفل في الحرية والأمن والاطمئنان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة عشر − 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض