
فن الملحون، ذاكرة شعبية وشاهد تاريخي على ثورة الملك والشعب -الحلقة الثالثة
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي ـ أسفي
لقد عمل المستعمر الفرنسي على نقل جلالته مع أسرته إلى المنفى في كورسيكا ثم في مدغشقر بعيدا عن بلاده وشعبه ، حتى يتأتى لهذا المستعمر أن يفعل ما يحلو له ويطيب . وأمر كهذا ، تضايق منه شعراء الملحون .. فقد تتبعوا خطوات الحركة الوطنية والثورة العارمة التي اشتعلت نارها في المغرب
فخاطب أحد الشعراء الملك محمدا الخامس قائلا :
ما حر نار افراقك
وما عـز ملقــــاك
رب الوجود رقاك
قلبي ادوا وتاه ابشوقك
ولم يتخلف شاعر آخر عن الإعراب عن مشاعره تجاه ما لقيه الشعب في المغرب من عنت ومعاناة تسبب له فيها المستعمر الفرنسي . يقول :
قلبي يا قلبي قل لي مالك هجتي وهاج وجدي بهياجك
الدمع افخدي شاق امسالك ايناسب من عيوني غليـــان
اتقول طاب عن صهد اصلاك
اهوالي منك فات اهــوالك أنت اعلي لونا منك معلول
كل ساعة انصادف لهـــلاك ..
لقد استخدمت فرنسا الإرهاب وسخرت الأموال بغية خلق حركة معادية للملك محمد الخامس ، تهدف في ظاهر الأمر إلى فصل سلطاته المدنية عن سلطته الدينية ، وهي بذلك كانت تستهدف في حقيقة الأمر إبعاده عن الحكم وتغييره بحاكم آخر لا يرفض لها طلبا . ومن ثمة ، قامت بنفيه من بلاده ، في الوقت الذي عين فيه المتآمرون على العرش المغربي محمد بن عرفة حاكما للمغرب .. وكانت ضربة قوية أرادت بها فرنسا إرهاب الوطنيين الأحرار ومنعهم من القيام بأي حركة في المجال السياسي .
لكن المغاربة هبوا جميعا للجهاد مطالبين بعودة ملكهم الشرعي إلى عرشه مهما كان الثمن . فلن يطيب لهم عيش ولن يحلو لهم وصال إلا مع سيد البلاد جلالة الملك محمد الخامس . يقول شاعر الملحون في هذا الصدد :
أمن تلومني شعلت نار أدخالـــــي أدخالي كاوي ابفرقت الشمــلال
شملال امن افراق لعقيل امشى لي امشى لي والنوم ضج من لنجـال
لنجال عل لخدود أمعها سلسالــي سلسالي بهوى كما لمطر هطــال
هطال من افراق اللي زاد اهوالــي اهوالي من فكد من اهوينا اغـزال
اغزال فلبها غيرو ما يحلى لـــي يحلى لي وصلو إلى انعم بالوصال
لقد حاولت فرنسا أن تثبت على سياسة القمع والشدة ، وألقت القبض على عدد هائل من المغاربة وطردتهم من ديارهم وزجت بهم في السجون . وقد أدرك المستعمر حقيقة ما كان يفعل ، فراح يكيل الضربات لشاعر الملحون ، ويصادر شعره على حد ما حدث للشيخ الحاج محمد بن علي المسفيوي وغيره من شعراء الملحون .. لكن روح الثورة كانت أقوى من أن تتراجع أو أن تستسلم ، وصعب على فرنسا مواجهة الملك والشعب ، وشعرت بأنها تواجه فعلا عاصفة قوية . فقد ظل الشعب متشبثا بأمل العودة والنصر ، وهو أمر سجله شاعر الملحون بقوله :
لا زلـت نرتجـــى ابشـــــــارك
يــاتـي لمرسمـــي بـخبــــــارك
وفـــدنــي بــرســم امــــــزارك
وانقول سعد سعدي ابيوم مبروك
واضحـــى الـرقــيب مــــــتروك
أتجدد لفراح ونغنم ساعة امباركا
وانـــــقول اللـــــه اينصـــــــرك
إن ثورة الملك والشعب ، كانت استجابة صادقة للأماني والآمال الوطنية والعقدية التي اختلجت في نفوس المغاربة ، إلى أن رأوا النور مع فجر الاستقلال . وهي ثورة جاءت لتأكيد حريتهم ومدى تعلقهم بملكهم محمد الخامس . يقول الشيخ محمد بلكبير : أسيدي محمد الوالي قطب العبـــــــــاد أسيدي محمد الشريف أسيد اسيــــــــــادي أنت غوث الصالحين في مغربك لسعد هدي تعد ليك يا حبيب الروح و لفئــــــاد وقبولك لها دخيـــــــرتي واعنايتـــي وزادي أمولاي ما ايشابهك في ورعــك حــــــــد فاح اعبير اشداك ما ترك وسط وطانك نادي
وفي نفس السياق يقول الشيخ محمد العوفير :
لحبيب امحررهاد لوطان من كل امحانــي باقيا روح حضن شعبنا في التاريخ امخل ليس ننساوه يا جمع لخوان ما طال ازماني به لوطان اسما ورقى وعاد مكمول موح آ شرا من لا شاف اهمامنا فالظل نورانــي يوم نرجع الأب لحنين منصور امأيــــــــد بشر الأمة بالتحرير والاستقلال البانــــــي وجا العرش فارح مسرور بعد ما كان امبعد سيدنا لهمام الخامس راس البدر السانــي كهف لحسان المجاهد شمر عل ساق الجــد اعلى اوطان بملك ضحى وعاد متفوق عاني ربنا يسر له ما راد نعم الجليل الواحــــــــد قاوم الظلم والاستعمار حقق الأمانــــــي حرر اوطان من الاستعباد هو ساب العاهــد كان ولي الله من لكرام طبعه ربانــــــي تابع السنة والكتاب نعم لهمام الامجــــــــــ ربنا كرم بالعقل الرجيح والسر السانـــي دارك المكرمات ألا تنحصى ولا تتعـــــــــاد
كافح وناضل عن شعب وكان من هل ليماني
إلى جانب هذه الصورة الوضاءة التي رسمها شاعر الملحون للملك محمد الخامس ، نجد الشيخ محمد بن عمر يشيد بجلالة الملك مثمنا نضاله وما يبذله من جهد في سبيل أن يعيش أبناء وطنه أحرارا كراما .
يقول :
هذا الملك اللــــــــه ودو واعطاه نور فالفكر امتوقـــد
لطريق الخير الله رشدو واحيا به جمع الأمة رشـــــاد
ما ينقص ابعد عــــــدو سبحانى من انشا سيدي محمد
هاد الملك اللح حبو لجميع الأمة ساكنا قلب افـــآدو
كيف اسكن حبه اقلوبها واضحى متأيد
هاد الملك الله وفقو لصلاح الأمة ما تخالف ميعادو
تفديه ابلرواح ولبدان اتهيبو والجســـد
هاد الملك اعليه بنفوس اسخاو هل الشعب أوسـادو
أو لبات الدعوا السيدنا والأمر التنـــفد
هاد الملك اثناه ما ينحصر يبقى طول الزمان فالدهر
اعدادو يتلى من جيل الجيل فالعصر دايم متعدد
من خلال هذه الأبيات ، يبدو أن شاعر الملحون مواطن مناضل وملتزم بقضايا وطنه ، محب لعاهل بلاده ، مستنهض لهمم شعبه . فلقد كان الشعور الوطني صادقا ونبيلا عند هذا الشاعر ، حين امتدت يد الاستعمار الأثيمة إلى محمد الخامس وإبعاده عن عرشه ووطنه .