
فن الملحون، ذاكرة شعبية وشاهد تاريخي على ثورة الملك والشعب – الحلقة الرابعة
وهكذا استطاع شاعر الملحون أن يرسم المعالم التي تبرز قيمة الإنسان المغربي في نضاله المستمر وبطولته الرائدة . وعن ذلك يقول الشيخ العيساوي الفلوس :
هو من اخرس فالوطن غرس امحكم بحكمته الحاكم الحكيم اللعـــــــندم
هو المهتم بالوطن واعــزم واقـــــدم وارمى روحه لا اخشى قول اللوام
هو من وقف للعـدا فالخلـق اعظــــم هو روح لمغاربة من غير اكــــلام ..
وهكذا يبدو كيف أن الشعب المغربي إلى جانب قائده جلالة الملك محمد الخامس ، خاضوا نضالا مجيدا بغية تحقيق :
أولا : الدفاع عن المجتمع المغربي إذا وقع عليه عدوان ، عملا بقوله تعالى : ” أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ، وإن الله على نصرهم لقدير ، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ، ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ، ولينصرن الله من ينصره ، وإن الله لقوي عزيز . ”
ثانيا : محاربة المنحرفين والخارجين عن شريعة هذا المجتمع ، ممن باعوا وطنهم بدراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين
ثالثا : محاربة الظلم والاستغلال بشتى صوره وأشكاله ، ليعيش الوطن في أمن وأمان
وجملة القول ، فثورة الملك والشعب ، جاءت ـ كما قال جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه ـ ” لأجل تكوين الرجل المغربي والمرأة المغربية ليكونا معا جديرين بخوض المعركة والصبر طوال المعركة والنصر في آخر المعركة . ” مضيفا رحمه الله : ” لقد علمنا مربينا الكبير المرحوم رضوان الله عليه ، أن المعركة كيفما كانت ، لا يمكن أن ينجح صاحبها إلا إذا كان قويا في الداخل وكان له حلفاء في الخارج . ”
إن تصدي المغرب للاستعمار ، جعل من التاريخ المغربي تراثا يسجل قيم الصمود والتصدي والدفاع عن الحرية ، ففاقت قوة إيمان الملك وشعبه كل تقدير ، فشكل هذا الالتحام بين العرش والشعب ملحمة رائعة تسجل بمداد الفخر والاعتزاز ، وعلى أبناء وطننا ، خاصة منهم الجيل الحاضر ، ضمان استمرارية هذا التلاحم للوصول بهذا الوطن إلى ما هو أرقى وأفضل .
وهكذا ، يبدو كيف تفجر الشعر الملحون الوطني مع تفجر ثورة الملك والشعب ، وكان هذا الشعر سلاحا في معركة التحرر من الاستعمار والقضاء عليه . كما يبدو أن شعراء الملحون لم يتركوا شأن هذه المعركة التحررية للساسة والمحاربين ، ولم يتركوا تلك القضايا المصيرية يناقشها الكتاب وحدهم ، وإنما وجدناهم يشاركون في كل ذلك بالكلمة الشاعرة التي ترتفع إلى مستوى المسؤولية شكلا ومضمونا.
ولعل قصيدة الملحون ، اكتسبت قيمتها الفكرية والفنية من خلال هذا الموقف النضالي النبيل ، بغض النظر عن الإطار الفني الذي عبر فيه الشاعر عن هذا الموقف .. لأن ما يعنينا أساسا هو أن نسجل روح المقاومة الشعبية كما تجلت في أدبنا الشعبي ، لا سيما في فترة الاستعمار .