
آراء ودراساتسلايدرمع قهوة الصباح
ورقة اليوم: نظراتٌ في الدعاءِ الناصِري….في المناجاة(2)
محمد التهامي الحراق
دعما للأفق الروحاني في لحظات الابتلاء، واستحضارا لطاقة الدعاء عند الشدائد والضراء؛ كما تؤصل له المرجعية الإيمانية الجامعة بين البذل والتوكل، بين الأخذ بالأسباب وملازمة الدعاء؛ ننشر ها هنا نظرات في متن الدعاء الناصري(نسبة إلى الصوفي الكبير محمد بناصر الدرعي دفين تمكروت عام 1085هـ). ويعد هذا الدعاءُ واحدا من أشهر الأراجيز التوسلية التي اعتاد أهل المغرب استعمالها في باب التضرع عند الشدائد والمحن.
يقول الإمام محمد بن ناصر الدرعي في أفق المناجاة مستأنفا دعاءه مخاطِبا مولاه:
ويا قريب العفو يا مولاه —
ويا مغيث كل من دعاه
بك استغثنا يا مغيث الضعفا —
فحسبنا يارب أنت وكفى
إنه سبحانه قريب من عباده السائلين، قال تعالى: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ… »؛ بل إنه سبحانه أقرب إليهم من حبل الوريد. على أن قربَه هنا سبحانه قربُ معنى لا قربَ حس، أي قربُ مقامات لا قربَ مسافات، لذا كلُّ من سأله بصدق وإخلاص وحسن ظن ويقين إجابة، و تقرب إليه بالفرائض والنوافل و القربات وجدَه أقربَ منه إليه، واستشعر بقلبه وبصيرته مَعيتَه الربانية بالحياطة والعناية والعلم والقدرة، قال سبحانه: “وَهُوَ مَعَكُمُ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ”. ومعلومة مزايا هذه المعية، أما مقام المُقَرَّبين فـ “روح و ريحانٌ و جنةُ نعيم”؛ سواء أكانت جنةَ معارف أم جنة زخارف. والناظم إذ يحيل هنا على هذه المعية وهذا القرب، فإنه ينادي منهما اسمَه تعالى: «العَفُو»، قال سبحانه: ﴿فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً﴾، و قال أيضا: ﴿ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾، وفي الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْيَقِينَ فِي الآخِرَةِ وَالأُولَى”، وفي الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة عند ليلة القدر: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”. فالعفو بما هو صفح و غفران و محو للزلات وتكفير للعصيان هو من شأن المولى عز وجل، لذلك يسأل الناظم مولاه باسمه “العَفُوّ”؛ ثم يضيف إليه اسما آخر من أسمائه الرَّحَمُوتية، وهو “المغيث”، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ﴾، أي هو الذي “يجيب إغاثة اللهفان، أي: دعوة من دعاه في حال اللهف والشدة والاضطرار، فمن استغاث به سبحانه أغاثه من لهفته وأنقذه من شدته. وغيثه سبحانه عام شامل يشمل الحس والمعنى، ويرتوي بماء أسراره كلُّ الضعفاء من خلقه، إذ لا مغيث لهم على الحقيقة سواه. لذلك صرح الناظم بما يفيد عجزَهُ والتفويضَ والتسليم في أمرهِ لله سبحانه، حيث قال : “فحسبنا يا رب أنت و كفى”؛ وهو في ذلك يسير على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلّم الذي قال: “”إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل”. وهذا الإقرار واحد من علامات الاضطرار الذي يوجب استجابةَ المولى سبحانه؛ يقول العارف المغربي سيدي العربي بن السايح مشيرا إلى هذا المعنى:
ربَّ البــــريةِ يا مَن لم يزل أبداً
دعاءُ كلِّ امرىء دعاه مسمــــــوعاً
إني دعــوتـُك مُضْطَرا أخا كمـَـــدٍ
ركن اصطباريَ أضحَى منه مصدوعَا