آراء ودراساتسلايدرمع قهوة الصباح

ورقة اليوم: نظراتٌ في الدعاءِ الناصِري….في ردِّ الأمر ورفعه إلى الله (4)

محمد التهامي الحراق

دعما للأفق الروحاني في لحظات الابتلاء، واستحضارا لطاقة الدعاء عند الشدائد والضراء؛ كما تؤصل له المرجعية الإيمانية الجامعة بين البذل والتوكل، بين الأخذ بالأسباب وملازمة الدعاء؛ ننشر ها هنا نظرات في متن الدعاء الناصري(نسبة إلى الصوفي الكبير محمد بناصر الدرعي دفين تمكروت عام 1085هـ). ويعد هذا الدعاءُ واحدا من أشهر الأراجيز التوسلية التي اعتاد أهل المغرب استعمالها في باب التضرع عند الشدائد والمحن.

يقول الإمام محمد بن ناصر الدرعي  مشيرا إلى كمال  الربوبية  التي يَرد المتضرعون أمرَهم إليها، حيث يقول الناظم:
والأمــــــر كلــــــــه إليــــك رده   —
وبيــــديــــك حـلــــه وعـقــــده

وفي ذلك إشارة لقوله تعالى: ﴿ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾؛  وفي هذا عين التسليم والتفويض؛ إذ بيد الحق سبحانه الأمر في السراء والضراء، في القبض والبسط، في الخوف والرجاء، وهذا الإقرار هو عين ما يُسَوِّغ التوجه للحق سبحانه بالدعاء، والوقوفَ لديه بالأعتاب، والرجوعَ إليه والتوكل عليه؛  إذ هو الرحيم القادر، وصاحب الأمر في الحل والعقد، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.
وبهذا، يكون سيدي محمد ابن ناصر الدرعي قد مهد أبلغ مهادٍ لدعائه، حيث طرق باب الرحمة، والإقرارَ بالاضطرار، والاعترافَ لمولاه بالقدرة والعظمة والكمال، وهو ما يُسوِّغ أن يرفع أمرَه إليه وأن يشكو ضعفه عليه. وحاشا أن يخيب لدى الرحيم القدير، أو يرجع خاسئا حسيراً من لجأ لحمى مالك الملك، سبحانه كما يؤكد ذلك العارف الكبير سيدي عبد القادر الجيلاني بقوله:
وعار على حامي الحمى وهْو   قادرٌ —
إذا ضاع في البيدا عِقالُ بعيري
ولا حاميَ المملــــــوك إلا أمــــيرُه —
فها أنا مملوكٌ وأنت  أمـيري
ثم يردف الناظم:
وقد رفعنا أمرنا إليك    —
وقد شكونا ضعفنا عليك
وهنا استعمل الإمام الدرعي فعل “الرفع” إشارةً إلى تعالي المخاطَب وعظمة جلاله، وفي استعمال ضمير المتكلم للجمع إشارةٌ إلى الحديث باسم الجماعة، ذلك أن الدعاء كلما كان أعم كان إلى الإجابة أقرب، فيما استعمال كاف الخطاب بدل ضمير الخطاب للجمع إشارة إلى قرب المولى من السائل المتضرِّع، وهو ما يؤكده استعمال الحق عز وجل لضمير المتكلم المفرد المفيد للقرب بدل ضمير الجمع المفيد لمعاني الهَيْبة والجلال في قوله تعالى: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”. وقد جمع الناظم في هذا البيت بين رفع الأمر إلى الله سبحانه وبين الشكوى إليه، خصوصا وأن المشتكين ضعفاء لا قوة ولا حيلة لهم حيال أمرهم، قال تعالى: “وخُلِقَ الإنسانُ ضَعِيفا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر + 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض