سلايدرما وراء الخبر

نظام كورونا العالمي الجديد

محمد التويجر
من حسنات ملازمة البيت هذه الأيام للتحصن ضد فيروس كورونا ودريء مخاطره،  تصالحنا مع “نعمة” القراءة التي تجاهلناها عمدا، مغيرين وجهتنا صوب آخر صيحات التقنية الإلكترونية.
فتحنا كتبا طالها النسيان، بعدما كسا أغلفتها غبار الإهمال، فاكتشفنا بين صفحاتها الدرر والعبر، محسنين عبرها لغاتنا التي تضررت جماليتها بمصطلحات دخيلة لا أصل لها ولا معنى.
بات لنا ما يكفي من وقت للإطلاع على جديد الأخبار والتحاليل الرزينة الراصدة لتطور مؤشر خسارات هذا الفيروس الخسيس، وتفاعل البشرية مع جهود مسابقة العلماء لعامل الزمن، بحثا عن مصل يحرر الجميع من قبضته ومصيره الغامض.
بخصوص المطالعة،  شدني أول أمس مقال تحليلي غاية في الروعة، كاتبه لا بالشرقي ولا الغربي، لا الأوروبي ولا الأمريكي. هو مصطفى دحلب أحد خيرة الأقلام التشادية، الذي وفق إلى أبعد الحدود في تلخيص ما يستبد بالبشرية من خوف وأسئلة تحاول قراءة فنجان المستقبل، دون أن توفق في الإجابة. راسما بدقة متناهية لوحة تعكس الزلزال الكبير الذي خلفته هذه الجرثومة غير المرئية في عالم تتجاوز مساحته نصف مليار كلمتر مربع، فارضة قانونها على الجميع، في اتجاه بلورة نظام عالمي جديد عنوانه الأكبر “تفاهتنا نحن بني البشر”.
• أليس هو من فرض وقف إطلاق النار في مختلف بؤر التوتر العالمية، متحديا حسابات الأطراف المتناحرة ؟
• هو من أهدى المؤسسة العسكرية بالجزائر فرصة ذهبية لإيقاف الحراك، ولو بشكل مؤقت. وناب عن العديد من المعارضين ، عبر العالم ، في تأجيل الانتخابات، كانوا متوجسين من تزوير نتائجها، ومكن أيضا أصحاب السترات الصفراء والنقابات بفرنسا من تخفيض الأسعار وإقرار حماية اجتماعية أكثر متانة وعدالة.
• بفضله انهارت أسعار النفط وانخفضت نسبة التلوث بالعالم، وتضخم وقتنا حتى صرنا محتارين كيف نملأه….معه اكتشفنا أسرار أطفالنا وشغبهم…ولم يعد العمل يحظى عندنا بالأولوية شأنه في ذلك شأن السفر والكماليات.
• بفضله سبرنا دواخلنا، ووجدنا حاجتنا الملحة إلى التضامن، بعدما وقفنا على حقيقة ضعفنا،  وأننا مستقلون ذات المركب، مواجهون للخوف من المجهول الذي أفقدنا صوابنا وحولنا إلى متصابين  يتهافتون على كبريات المتاجر لنهب محتوياتها…
• بفضله لمسنا بألا قيمة للمال، ودليل ذلك أن السيارات الفاخرة مركونة في مرائبها، لا تجد من يقودها ، بعدما صار ارتياد الشوارع  فخا وسبيلا للهلاك.
• هو من أزاح البون الشاسع بين أغنياء العالم وفقرائه، محيلا الجميع على إنسانيته وتساويه – اجتماعيا على الأقل- في الضعف أمام هذا الكائن القذر، مؤكدا أن وهم إعمار كوكب المريح واستنساخ البشر ، سعيا إلى الخلود أضغاث أحلام.ما دام أن لذكائهم حدودا…وأن – وهذا هو الأهم – بفضله، البشرية مجرد رماد تذروه الرياح.، وأن إفريقيا التي التصق اسمها بالفقر والمجاعة، صارت مؤقتا القارة الأكثر أمانا في العالم أجمع.
تأسيسا على هذه اللوحة العاكسة لكل ما يخالجنا من شك وخوف وأمل، يحق للمرء أن يتساءل عن قيمتنا نحن البشر، وأي مخرج من هذا الاختبار، وما سيحدثه من متغيرات فينا وفي “أمنا الأرض”.
أكيد، لا جواب، اللهم انتظار انفراج الغمة. فالله المبتلي، وهو القادر دون سواه على الرأفة بعباده، شريطة الأخذ بالأسباب، والالتزام بتعليمات الجهات المختصة ، وعدم الانسياق خلف من يريد تصفية حساباته السياسيوية، مستغلا جهالة الجهال، وتحويهم إلى حطب لإذكاء نعرة التفرقة وكسر لحمة الوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة + ثلاثة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض