سياسة

الوحدة الترابية للمملكة ودلالات زيارة رئيس جنوب إفريقيا السابق الى المغرب.

النائبة نعيمة الفتحاوي

من الرباط عاصمة المملكة المغربية، وبصفته زعيمًا لحزب معارض يشكّل القوة الثالثة في برلمان بلاده، أعلن السيد جاكوب زوما رئيس حزب “أومكونتو ويسيزوي” (رمح الأمة) الرئيس الجنوب إفريقي السابق، دعمه الصريح لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية. مشكلا ضربة للخطاب التقليدي لحزب “المؤتمر الوطني الإفريقي” الحاكم في جنوب إفريقيا، والمتمسك بمحور “بريتوريا-الجزائر” المعادي للوحدة الترابية ولمصالح المغرب.
تم استقبال السيد جاكوب زوما والوفد المرافق له من طرف السيد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج. كما خصص له السيد رئيس مجلس النواب، استقبالا بمقر المجلس، بحضور رؤساء الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب.
تجديد حزب جاكوب زوما دعمه لمقترح الحكم الذاتي ليس تصريحا عابرا لزعيم إفريقي بل أعتُبِر تطورا مهما على المستوى السياسي والدبلوماسي، باعتبار زوما رئيسا سابقا لجنوب إفريقيا، البلد الذي كان دائما مناوئا للمغرب؛ وهذا، بالطبع، يعكس نجاحا لافتا مرة أخرى للدبلوماسية المغربية تحت قيادة جلالة الملك حفظه الله.
لا شك أن الفترة الممتدة بين اللقاء الذي جمع جلالة الملك بالرئيس زوما في قمة أبيدجان سنة 2017، وزيارته الحالية إلى الرباط بصفته زعيمًا لحزب سياسي معارض، هي فترة حافلة بالتراكمات السياسية الهادئة، ستكلل، عما قريب، بعودة جنوب افريقيا الى الطرح العقلاني بعيدا عن الطرح الغوغائي الذي تسوق له الجارة منذ نصف قرن.
هذا الإعلان، حسب مراقبين، ليس مجرّد موقف ظرفي، ولا مجاملة دبلوماسية عابرة، بل هو مراجعة ضمنية لمسار طويل من الانحياز الإيديولوجي الذي أبعد جنوب إفريقيا عن منطق التوازن والواقعية في التعاطي مع مسألة الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
خلال زيارته للرباط، حرص زوما على استعادة الجذور السياسية والرمزية للعلاقات بين الرباط وبريتوريا، مستحضرًا الدعم المالي والعسكري والسياسي التاريخي الذي قدمه المغرب لحركة التحرير في جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري؛ وتدريب الزعيم نيلسون مانديلا ورفاقه في مدينة وجدة سنة 1962، فضلًا عن الدعم الذي قدمته المملكة آنذاك للثوار بجنوب إفريقيا. ويُحسب للدبلوماسية المغربية نجاحها في إحياء هذا الإرث المشترك بين البلدين وتوظيفه لخدمة المصالح الوطنية.
اختار الرئيس زوما الرباط ليؤكد منها دعمه ودعم حزبه لمخطط الحكم الذاتي كحل وحيد لتسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء، تحت السيادة المغربية، مع الحفاظ على وحدة أراضي المملكة، داعيا المجتمع الدولي إلى تبني هذا الحل العملي ودعمِه.
قبل هذا، كان حزب زوما قد أصدر وثيقة سياسية شاملة تحمل عنوان: “شراكة استراتيجية من أجل الوحدة الإفريقية والتمكين الاقتصادي والوحدة الترابية: المغرب”؛ تؤسّس لرؤية جديدة للعلاقات الإفريقية، قوامها احترام السيادة ووحدة الدول، وأفقها التعاونُ جنوب-جنوب، وتؤكد أن الصحراء كانت جزءًا لا يتجزأ من المغرب قبل الاستعمار الإسباني، وشددت الورقة على بيعة القبائل الصحراوية للعرش المغربي، وثمّنت المسيرة الخضراء بوصفها نموذجًا فريدًا للتحرير السلمي، واعتبرت مقترح الحكم الذاتي حلا واقعيا ومتوازنا، يكفل لسكان الأقاليم الجنوبية حكامة محلية فعالة في إطار سيادة المغرب ووحدته.
تكمن دلالات هذا الموقف من طرف جاكوب زوما وحزبه في:
– إبراز التحولات التي يشهدها المشهد السياسي في جنوب إفريقيا التي كانت لسنوات من أبرز الداعمين للأطروحة الانفصالية، والتي باتت تشهد نقاشًا داخليًا متصاعدًا بشأن كلفة الانحياز الأعمى لأطروحة الانفصال،
– من المرتقب أن يحدِث هذا الموقف انقسامات داخل النخبة السياسية الجنوب إفريقية حول قضية الصحراء؛ بعد تحوله إلى أداة في صراع سياسي داخلي، بين الحزب الحاكم والمعارضة، واتهام الحزب الحاكم بالجمود الإيديولوجي والتمسك بمواقف تضر بمصالح البلاد.
– بإمكانه المساهمة في تحطيم الإجماع التاريخي الذي كان في جنوب إفريقيا حول المواقف الداعمة للجبهة الانفصالية، بحكم مكانة هذا الحزب في النسيج الحزبي في جنوب إفريقيا.
– يكشف عن وعي متصاعد بأن مستقبل القارة الإفريقية لا يمكن أن يُبنى على صدى الماضي أو بالخطابات الرنانة، وإنما على تحالفات براغماتية ومشاريع اقتصادية واقعية تخدم مصالح الشعوب، لذلك لا يمكن اعتبار خطوة حزب “رمح الأمة” فردية معزولة بل هي بداية تحولات عميقة في الموقف الإفريقي التقليدي من ملف الصحراء المغربية،
– ينمّ عن وعي سياسي متنام بضرورة التكامل مع المغرب لتحقيق مصالح جنوب إفريقيا؛ كون البلدين من أهم المستثمرين في القارة الإفريقية من جهة، وعلى اعتبار ما راكمه المغرب من بنية تحتية داخل إفريقيا، وكونه لاعبا رئيسيا في مسار التنمية بالقارة، نجح في بناء شبكة مصالح قوية مع دول إفريقية مؤثرة من خلال الاستثمار في البنية التحتية وأي تقارب معه يفتح آفاقا واعدة،
– توجيه رسالة لخصوم المغرب الإقليميين مفادها أن زمن توظيف النزاعات الإيديولوجية في العلاقات الإفريقية الى زوال،
– من المنتظر أن يشكل الموقف والزيارة ورقة ضغط دبلوماسية إضافية في مواجهة الخطاب الانفصالي داخل الاتحاد الإفريقي،
– حزب المؤتمر الوطني الإفريقي المناوئ للوحدة الترابية للمملكة لم يعد يحتكر الموقف ببريتوريا، والنخب الجديدة هناك أصبحت أكثر استعدادًا لمراجعة الخطأ على أساس الواقعية ومصلحة البلد،
– اعتراف ضمني بفشل الطرح الانفصالي في خلق توافق دولي، وبروز توجه عام داخل القارة لتغليب التنمية والمصالح الاقتصادية، والسعي إلى التكامل والاندماج القاري،
– إدراك السياسيين والاقتصاديين ببريتوريا أهمية التقارب مع المغرب، وإدراكهم أن المدخل إلى هذا التقارب، وفق ما أكده جلالة الملك حفظه الله، هو الموقف من قضية الصحراء المغربية،
– كون زوما رمزا من الرموز السياسية في جنوب إفريقيا، خاصة وأن النظام السياسي في هذا البلد يعتمد على الرموز والشخصيات السياسية، وعلى رأسهم نيلسون مانديلا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرة + 12 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض