
المحكمة الدستورية تُقر عدم دستورية فصول من قانون المسطرة المدنية لوهبي
أصدرت المحكمة الدستورية، في قرارها رقم 255/25 م.د بتاريخ 4 غشت 2025، حكمها بعدم مطابقة مجموعة من فصول قانون المسطرة المدنية رقم 23.02 للدستور. جاء هذا القرار في إطار الاختصاص الممنوح للمحكمة بموجب الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور، التي تخوّل إحالة القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها.
أول الفصول التي علّلت المحكمة عدم دستوريتها هو المادة 17 (الفقرة الأولى)، التي منحت النيابة العامة سلطة طلب بطلان مقرر قضائي نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به خلال خمس سنوات دون تحديد حالات واضحة. رأت المحكمة أن استقرار الأحكام القضائية، أو ما يُعرف بمبدأ الأمن القضائي، لا يقبل الإضعاف عبر رفع الطعون تجاه أحكام باتة بلا ضوابط موضوعية.
انتقلت المحكمة إلى المادة 84 (الفقرة الرابعة – المقطع الأخير)، فوجدت أن إعتماد إشعار التبليغ على تصريح شخص بكونه وكيلًا أو من الساكنين البالغين ستة عشر عامًا يفتقد للمعايير القانونية الواضحة. فقد يؤدي ذلك إلى ضياع حق الدفاع عند غياب يقين التبليغ، وهو ما يخالف مبدأ الوضوح واليقين المنصوص عليهما في الدستور.
كما اعتبرت المحكمة أن المادة 90 (الفقرة الأخيرة) لا تضمن صراحة أي شروط لضمان حضور الأطراف عن بُعد بأمان وشفافية، من قبيل موافقة الأطراف أو سلامة وسريّة البيانات. ومن ثمّ رأت أنها تمس بمبدأ علنيّة الجلسات وحقوق الدفاع المكفولة دستورياً.
في شقّ آخر من القرار، أبطلت المحكمة المادتين 408 و410 (الفقرتان الأوليان) لكونهما خولتا وزير العدل أو الوكيل العام للملك طلب إحالة الأحكام إلى المحكمة الدستورية بحجّة التشكك المشروع أو تجاوز القضاة سلطاتهم. وأكدت أن هذا التفويض يمسّ بـاستقلال السلطة القضائية، الذي لا يجوز خضوعه لتوجيه من السلطة التنفيذية.
وفيما يخص المادة 288، أشارت المحكمة إلى خطأ في الإحالة داخل نص المادة، حيث أحالت على المادة 284 بدل 285، ما يخلق لبسًا في إجراءات العثور على الوصايا. ونوهت بضرورة وضوح القاعدة القانونية وعدم ترك القارئ في حيرة بشأن المتطلبات الإجرائية.
أما المادة 339 (الفقرة الثانية)، فقد قضت بعدم دستوريتها لأنها ألزم القاضي بتعليل قرار رفض طلب التجريح، لكنها لم تفرض التعليل عند القبول، رغم أن الفصل 125 من الدستور يشترط عمومية التعليل في جميع الأحكام.
وأخيرًا، أبطلت المحكمة المادة 624 (الفقرة الثانية) والمادة 628 (الفقرات الثالثة والأخيرة) لكونهما أسندتا إلى الحكومة وزارة العدل إدارة النظام المعلوماتي القضائي وتعيين القضاة عبره. ورأت المحكمة أن هذا العمل يندرج ضمن اختصاص السلطة القضائية حصريًا، حفاظًا على مبدأ فصل السلط واستقلال القضاء.
قضت المحكمة، في ختام قرارها، بتبليغ نصّه إلى رئاسة الحكومة ورئاستي مجلسي البرلمان، ونشره في الجريدة الرسمية. ويُعد هذا التدخّل دعوة واضحة لإعادة صياغة المواد المعلّلة احترامًا لسمو الدستور وصونًا لثوابت العدالة.