
حرب البلاغات تعصف بوحدة الزاوية القادرية البودشيشية
لم تهدأ بعد حرب البلاغات غير الموقعة التي تشهدها الزاوية القادرية البودشيشية، بين مؤيدي الشيخ منير القادري البودشيشي، الذي أوصى له بتقلد مشيخة الطريقة، وبين أنصار شقيقه الأصغر معاذ، الساعي إلى الحلول مكانه بدعم من شريحة واسعة من المريدين داخل المغرب، هذا الصراع المتصاعد تسبب، بحسب متابعين، في تفكك وحدة المشيخة الصوفية وأثر سلبًا على القطب الرباني الروحي للزاوية، التي تعد الأكبر في البلاد وتمتد جذورها إلى خارج الحدود، خاصة في أوروبا وإفريقيا والعالم الإسلامي.
ليلة أول أمس (الأربعاء)، جرى تداول رسالة على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي، نُسبت إلى العائلة البودشيشية، ووجِّهت إلى الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، تطلب منه تزكية الشيخ منير القادري رسميًا على رأس الطريقة، تنفيذًا لوصية مؤرخة في 5 دجنبر 2024.
هذه الرسالة حملت توقيعات أرملة الشيخ جمال الدين وأبنائه، بالإضافة إلى بنات الشيخ الراحل حمزة، الذين أعلنوا مساندتهم الواضحة لمنير، باعتباره الوريث الروحي الشرعي، وهو ما اعتُبر محاولة لحسم الخلاف عبر القنوات العليا، دون الرجوع إلى الحسم الداخلي بين الأقطاب.
الانقسام داخل الزاوية عاد ليطفو على السطح مجددًا، بعدما انقسم المريدون حول من يستحق المشيخة،
فمن جهة الشيخ منير، الأكبر سنًا، الذي يحظى بحضور دولي واسع، ويُعرف بقدرته على استقطاب الآلاف من أتباع الزاوية في أوروبا، أمريكا، إفريقيا، والعالم العربي، وفي المقابل، يحظى معاذ، الأصغر سنًا، بدعم قوي من داخل المغرب، خصوصًا من طرف مريدي الزاوية المحليين وبعض الفاعلين الشباب، الذين يرونه أقرب إلى واقعهم وتطلعاتهم.
فيما ينتظر المريدون لحظة التقاء الشقيقين في موقف موحد ينهي الخلاف ويوثق التزكية المتبادلة، لم يظهر أي تسجيل مصور أو موقف مشترك من شأنه إنهاء الجدل، وما زاد الطين بلة، أن البلاغات والبيانات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل أسماء شخصيات مؤثرة داخل الزاوية، دون أن يخرج أي من الأخوين لنفيها أو الطعن فيها، وهو ما اعتُبر بمثابة تزكية ضمنية للصراع وتركه مفتوحًا على جميع الاحتمالات.
وفي خضم هذه الأجواء المشحونة، خرج الشيخ منير القادري في تصريح مصور وصف بـالمثير، لمح فيه إلى إمكانية تبني صيغة قيادة جماعية لتدبير الزاوية، في خطوة غير مسبوقة قد تغير تقاليد “المشيخة الفردية” التي ميّزت الطريقة الصوفية لسنوات طويلة.
هذا الطرح فهم منه البعض أن الشيخ منير قد يكون مستعدًا لتقاسم الأدوار مع شقيقه الأصغر: يتولى هو الجانب التربوي والروحي، فيما يشرف معاذ على الجانب الإداري والتنظيمي للزاوية.
غير أن هذه المبادرة لم تمنع تصعيدًا جديدًا، إذ أعلنت هيئة أطلقت على نفسها اسم رابطة الشرفاء البودشيشيين، في بيان متداول، تزكيتها الكاملة لمعاذ القادري شيخًا للطريقة، معتبرة أن الأخ الأكبر قد تنازل للأصغر، في تأويل مثير لتصريح منير، زاد من تعقيد المشهد بدل أن يخفف من حدّته.
يعبر كثير من فقراء الزاوية عن أسفهم العميق لهذا الانقسام، الذي لم تشهده الزاوية منذ تأسيسها، معتبرين أن الخلاف الشخصي بين الأخوين تجاوز الإطار العائلي، ليهدد تماسك أكبر الزوايا الصوفية في المملكة، وهي التي طالما كانت ملاذًا للصفاء الروحي والتماسك المجتمعي، وتستقطب شخصيات وازنة من مختلف القطاعات، بما في ذلك كبار المسؤولين المغاربة.
الخلاف المحتدم حول مشيخة الزاوية القادرية البودشيشية يسلط الضوء على هشاشة الانتقال القيادي داخل المؤسسات الروحية، حتى في الفضاءات التي يُفترض فيها الثبات والتجرد عن الحسابات العائلية أو التنظيمية. وفي ظل غياب مبادرة جامعة أو وساطة راشدة، تبقى وحدة الطريقة الصوفية في مهب رياح الانقسام، بانتظار لحظة صفاء قد لا تأتي قريبًا.