
قطاع الصحة محتاج إلى عدالة وإنصاف
محمد التويجر
حقائق عدة كشف عنها فيروس كورونا، على القيمين ببلادنا أخذها بعين الاعتبار وهم يضعون مستقبلا التصورات الاستراتيجيات والنماذج التنموية، وما إلى ذلك من أسماء براقة .
لقد أبانت الجائحة – وما زالت – على أن قطاع الصحة محتاج إلى مزيد عناية ودعم ورصد لميزانيات لا تقل عما يخصص لقطاعات الدفاع والداخلية والتعليم، من حيث إحداث مناصب الشغل الكافية، وتوفير البنيات التحتية المناسبة، واقتناء العتاد والأدوية اللازمة ، وتقدير المجهود الذي أبان عنه ملائكة الرحمة إناثا وذكورا هذه الأيام، مضحين بسلامتهم الجسدية ، ومنازلهم ورُضّعِهم أيضا ، فداء للوطن.
يجب أن يعاد النظر في قسمة الميزانية العام، لأن الوباء كشف بالملموس أنها قسمة ضيزى، تستعجل التدخل لإقرار العدالة المفقودة ، بخاصة وأن المعطيات الرقمية التي تعود لسنتي 2015 و 2018، والمستقاة من المشتغلين في المجال تثير الاشمئزاز والاستفهام أيضا :
• الطب العام ، وبعد ماراطون دراسي يمتد لسبع سنوات، يتقاضى الخريج في سنة عمله الأولى ب 7200 درهم إن اشتغل في المناطق الداخلية، 8800 درهم بالأقاليم الصحراوية والريف ، لترتفع بها الأجر تدريجيا حسب الخبرة و سنوات العمل و ليصل إلى 17000 درهم في بعض الحالات.
• طبيب داخلي بالمستشفى الجامعي (باكلوريا + 6 أو 7): 3400 درهم.
• طبيب بعقد عمل في القطاع العام لمدة 8 سنوات بعد التخرج: 8800 درهم.
• يتوفر المغرب فقط على 1.51 طبيب لكل 1000 مواطن، بل لا يتجاوز في بعض المناطق طبيبا واحدا لكل 6000 نسمة، فيما يلزمنا لبلوغ الحد الأدنى للنموذج التنموي العادل والصائب 2.5 طبيب لكل ألف نسمة.
ولمزيد مقارنة، لا يتجاوز العرض الذي يقدمه المغرب 6 أطباء لكل 10000 مواطن، مقابل 12 طبيبا في تونس، والجزائر، و51 طبيب في إسبانيا
بكل تأكيد، هي أرقام صادمة تبرر سبب هجرة أطرنا الصحية المكثفة صوب أوروبا وأمريكا، تاركين الجمل وما حمل. مضحين ب”ريحة البلاد” والعيش قرب الأهل والأحباب، هربا من المجهول، المجسد أمامهم على أرض الواقع بدون مكياج ولا تنميق.
أعرف أن كل القوانين تطبخ تحت قبة البرلمان بغرفتيه، بعدما تكون قد مرت من سم إبرة توافقات الأغلبية والمعارضة. وأعرف أن “النواب المحترمين” الملتزمين هذه الأيام ببيوتهم تنفيذا للحجر الصحي، منتظرين التوصل دوريا بتعويضاتهم السمينة المتجاوزة ل 30 ألف درهم ( اللهم بارك )، على علم بما يجري ويدور حاليا بالمغرب، ويتابعون عن كثب من هم جنود الميدان الحقيقيون، المشتغلون بكل نكران ذات، غير آبهين بالخطر المحدق الذي يتهددهم، الملامسين يوميا لنقطة اللاعودة بسبب الوباء، لولا الألطاف الإلهية .
استفتوا قلوبكم – أيها السادة – قبل عقولكم….لا محالة أنكم ستلمسون ما تعانيه الأطر الصحية من غبن وحيف. فهلا سارعتم إلى تصحيح هذا الواقع المرير غير السليم؟. إن فعلتم – وواجب المواطنة يفرض عليكم ذلك – فالأكيد أن التاريخ سيحتفظ لكم بذكرى طيبة، يحكيها جيل بعد جيل، شاهدا لكم أنكم كنتم وراء إقرار عدالة مجالية مادية ، عبر إشعار أصحاب الوزرة البيضاء بقيمتهم ودورهم المؤثر في المجتمع، وإقناعهم بأن حاضرهم ومستقبلهم داخل وطنهم ، دون الحاجة إلى حزم الحقائب وهجر الديار .
أقنعوهم أن قطران بلادي أحسن من عسل البلدان” مثل مختل في عمقه متجاوز لمدلوله، وبإمكاننا جميعا تغييره بشكل يحفظ لهم كرامتهم، ويتساوى مع قيمة المجهود الذي يبذلونه ، وآنذاك، سيتحول القطران إلى عسل مصفى لذيذ المذاق، شريطة أن يكون الطباخ التشريعي المغربي في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه، متفاعلا كما يجب مع نبض المجتمع وانشغالاته، رافعا التحديات الواحد تلو الآخر، مستقلا في قراراته دون الحاجة إلى إملاءات ورنات هاتف.
الله المعين.