
ربح معركة لا يعني حسم الحرب
محمد التويجر
الخوف كل الخوف من أن تكون قراءة الأرقام اليومية الراصدة لعدد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا خادعة، خصوصا إذا كان محللوها متطفلين على الميدان، مفتقدين لأدوات المعالجة العلمية الدقيقة ، لأنهم ساقطون لا محالة في قراءتها بكيفية سطحية ؟
مبعث الخوف والتحفظ أن بعض المدونين، بمجرد ما انتهى السي محمد اليوبي، مدير مديرية علم الأوبئة ومكافحة الأمراض بوزارة الصحة، من مداخلته اليومية التي يطًلع عبرها الرأي العام المغربي عن تطور حالات الإصابات بفيروس جَمًد أوصال حركية العالم أجمع، التي حددت عدد إصابات فاتح أبريل في 40 حالة، حتى انبرى بعض المدونين يبشرون بأن فجر الفوز بهذه الحرب الضروس قد بزغ، مستدلين على طرحهم بكون منحى مؤشر الإصابات بدأ في النزول، من خلال انخفاض عدد الإصابات خلال الأيام الأربعة الأخيرة بالتدريج من 104 الأحد الماضي إلى 40 حالة مساء أمس الأربعاء، مرورا ب 71 حالة المرصودة يوم الإثنين، و68 المسجلة في الثلاثاء الموالي.
نعم، كلنا نحبس أنفاسنا كلما حلت الساعة السادسة، موعد الإحاطة اليومية لوزارة الصحة بخصوص تطور عدد الإصابات ( في اتجاه الصعود والنزول طبعا )، مركزين على شاشة التلفزة التي استعادت نوعا من شرعيتها ( لا أتحدث عن المضمون، فذاك موضوع آخر، قد نعود إليه في مداخلة قادمة )، لعلنا نبشر بأخبار سارة تمكننا من الاستفاقة من هذا الكابوس الذي قلب حياة البشرية رأسا على عقب .
صرنا محتاجين إلى أبسط خبر يدخل إلى نفوسنا ذرة بهجة، ويرسم على محيانا الشاردة ابتسامة طال غيابها، بعدما باتت أخبار الدمار الشامل الجديد ومشاهده الجنائزية الحزينة، وصور الجثث المنقولة على متن الحافلات العسكرية ، وتكدس آلاف المرضى في مستشفيات فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، التي صنفت حتى الأمس القريب ضمن خانة الدول العظمى، جزء من مشهدنا اليومي…ومع ذلك، حذاري من السقوط في فخ التفاؤل المتسرع، المفضي إلى التراخي في أسبوع حساس وخطير بكل المقاييس، لأن لعدونا غير المرئي خططا وتقنيات ( لا تنسوا أن عدد إصابات السبت الماضي لم تتجاوز 26 لكنها قفزت بغثة في اليوم الموالي إلى 104 )، مما يستوجب الاستمرار في تنفيذ تعليمات الجهات المختصة، الساهرة بكل ما أوتيت من قوة وإمكانيات على تحصين الوطن الذي يأوينا جميعا، من هجمات عدو طرح في أرض المعركة، أزيد من 800 ألف مصاب وأزيد من 30 ألف قتيل.
إن التعبئة والالتزام يجب أن يستمرا بذات الحرص والصرامة طيلة هذا الأسبوع ، وهو السلوك المنسجم وإيحاءات السي اليوبي نفسه، الذي قال إن بحوزة مصالح وزارته بعض المؤشرات المشجعة، لكن الإفصاح عنها لن يتم إلا في الأيام الأربعة القادمة.
الرجل يعرف ما يقول، ولتحفظه ما يبرره، لأنه مدرك لا محالة أن من طبيعة الإنسان المغربي عدم التحكم في عواطفه وسلوكه أيضا، وحرصه على الانضباط ليس بذات الدرجة التي تميز الياباني أو الصيني، ومن ثمة قد تتسبب القراءات الخاطئة لتطورات الحرب ضد كورونا ببلادنا في ما لا تحمد عقباه.
ستلاحظون أن التزامنا بالحجر الصحي في الأسبوعين الأخيرين جاء بنسب متفاوتة، حسب درجة وعي كل منا وتقديره لخطورة الوضع، ومن ثمة علينا أن نقوي الجبهة خلال الأسبوعين المتبقيين لمحاصرة العدو في قواعده، ومنعه من التقدم، وإلا اضطررنا إلى دخول جولة ثانية، نحن في غنى عنه، ويعلم الله كم ستكلفنا من خسائر.
من نافلة القول التذكير بأننا ممتلكون لمصيرنا عبر سلوكنا وتعبئتنا اليوميين، وحصيلة فاتورة هذه الحرب المفروضة علينا، بعدما كنا نعيش في سلام، رهينة باستمرارنا في تحصين الذات من التفاؤل المغشوش، وبقاء إيماننا ثابتا بأن الحرص الدائم وانخراطنا اللا مشروط في الحجر الصحي سبيلنا لتجاوز المحنة بسلام.
قديما، قال استراتيجيو الميدان: “فوزك في معركة لا يعني أنك حسمت الحرب في شموليتها”، فالأمور بالخواتم يا سادة . ونتمنى أن تكون خاتمة خير بحول الله.