سلايدرما وراء الخبر

الحاجة أم كل الاختراعات

محمد التويجر

من حسنات فيروس كوونا – على قلتها – أنه عرى ،فجأة، عورة أكذوبة “العولمة”، وعظمة الدول الكبرى التي تتحكم في مصائر البشرية عبر العالم، وأسعار النفط وتفتعل إشعال نار الحروب والفتن لغاية إعادة تشكيل التكتلات، وتحريك عجلة اقتصادياتها
فجأة، افتقدت تأشيرات شينغن وكندا وجارتها أمريكا مفعولها السحري، بعدما اكتشفنا أن كل طائرات العالم جاثمة بقواعدها، وسفنه راسيات بموانئه. وحتى الدول التي كانت في السابق الملجأ المبشر به، هروبا من الفقر والتسلط وووو، غالقة هي الأخرى حدودها ، منشغلة بتعداد ضحاياها من الذين قضوا جراء العدو غير المرئي ومصابيه.
فجأة، تأكد بالملموس أن كورونا سوت بين بني البشر، ملغية كل الفوارق بين طبقاتهم الاجتماعية.
فجأة، فتحنا أعيننا على المفهوم الحقيقي للمواطنة والانتماء والمصير المشترك. وأن للمثل العربي الشهير ” ما حك جلدك مثل ظفرك” دلالة ومعنى.
فجأة، اكتشفنا أن بلادنا ممتلكة لطاقات خلاقة مبدعة بإمكانها ملامسة العالمية، لو توفرت لها الظروف المثلى لتفجير مكنوناتها، وإظهار مؤهلاتها. بدل حزم الحقائب وشد الرحال نحو ” الفردوس الغربي الموعود”.
نعم، الأمر ليس حلما…فبين عشية وضحاها، صار المغرب مضرب المثل، في قراراته التدبيرية الاستباقية لمجابهة كورونا، والاعتماد على الذات وتطويع الوسائل المحلية دون الحاجة إلى الاستيراد من الخارج، وما يترتب عن ذلك من استنزاف لاحتياطاته من العملة الصعبة ، وإخلال بميزانه التجاري.
المغرب – يا سادة – حول معامل نسيجه نتيجة أزمة كورونا، في تناغم تام مع أصحابها، إلى خلايا لإنتاج كمامات محلية، وتسويقها بأسعار تفضيلية مدعمة من طرف الصندوق المحدث لمواجهة الجائحة. خطوة لاقت إعجاب العديد من البلدان الاوروبية، وسط أخبار تتحدث عن تفكير بعضها في استيراد المنتوج المغربي، بحكم عامل القرب وتسعيرتها المناسبة.
هو ذات البلد الذي تسابق مهندسوه الشباب، الذين ما زالت غالبيتهم تتابع دراستها العليا لاختراع الأقنعة ، وأجهزة التنفس الاصطناعي (ومازال العاطي يعطي).
سرد هذه الوقائع والنماذج الناجحة العاكسة لحقيقة مغرب يتحرك، دون أن نعير حيويته هذه الاهتمام الواجب، سهوا منا أو استصغارا، تأكيد على أن خلاص المرء، حين مواجهة المحن، وتوصد أمامه الأبواب، في الاعتماد على ذاته وإمكانياته الخاصة…
هي رسالة يفترض أن تلهم قيمي البلد ومشرعيه لمباشرة ثورة داخلية هادئة للتصالح مع الذات، على غرار تجربة كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وتحسيس المغاربة بقيمتهم داخل بلدهم، وثنيهم على الرحيل، وإشعارهم بأن الوطن في حاجة لكل أبنائه، وألا تفضيل بين هذا وذاك إلا بالكفاءة ودرجة الخدمة المقدمة، بعيدا عن كل ما له صلة بالمحسوبية والزبونية والتوصيات.
حقا….الحاجة أم كل الاختراعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض