
كوفيد-19.. الاقتصاد يتعثر، والصين لا تزال واثقة في قدراتها
تعطي الأرقام الرسمية الصادرة يوم الاثنين في بكين انطباعا بأن الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بدأ يشهد علامات ضعف، تحت تأثير أقوى ارتفاع في عدوى الإصابات بكوفيد-19 في البلاد منذ بداية تفشي الجائحة قبل أكثر من عامين.
وتظهر بيانات المكتب الوطني للإحصاء (حكومي) انخفاضا بنسبة 11,1 بالمائة في مبيعات التجزئة في أبريل الماضي مقارنة بالشهر ذاته لعام 2021. رقم لا يمكن أن يمر مرور الكرام خاصة عندما يتعلق الأمر باقتصاد ضخم مثل اقتصاد الصين وما يشكله من ثقل على الساحة الاقتصادية العالمية.
ويعتبر المحللون أن الأمر يتعلق بمؤشر مثير للقلق، خاصة وأن مبيعات التجزئة تستخدم لقياس إنفاق الأسر وبالتالي إعطاء فكرة عامة عن الوضعية الاقتصادية.
وكشف مكتب الإحصاء أيضا عن تفاقم البطالة التي ارتفع معدلها إلى 6,1 بالمئة في أبريل مقابل 5,8 بالمئة في مارس.
ويقر مسؤولو المكتب بتأثير الجائحة على النشاط الاقتصادي، مع تأكيدهم على فعالية التدابير التي اتخذتها السلطات الصينية للحد من تفشي الفيروس وحماية الاقتصاد من تأثيراته.
وقال فو لينغ هوي، المتحدث باسم المكتب، إن الاقتصاد الصيني “تضرر بشدة” جراء عودة ظهور الإصابات محلية العدوى بكوفيد-19، لافتا إلى أن تأثيرات هذا الارتفاع ستظل “مؤقتة”. وأضاف في لقاء صحفي، أنه “بفضل التدابير الفعالة التي تنفذها الحكومة لتشجيع الطلب المحلي، وتخفيف الضغوط على المقاولات وضمان استقرار الأسعار والإمدادات، سيبدأ الاقتصاد في التحسن اعتبارا من ماي”. وتواجه الصين منذ مارس الماضي ارتفاعا في عدوى الإصابات بكوفيد-19، وخاصة في بكين، العاصمة، وشنغهاي، المركز المالي للبلاد.
وللتصدي لهذه الطفرة، لم تتردد السلطات في تفعيل تدابير صارمة بهدف حماية الأرواح، وذلك في إطار استراتيجيتها التي تتشبث بها والتي يطلق عليها”صفر تسامح” في مواجهة كوفيد -19 ومتحوراته.
وهكذا تم تكثيف حملات اختبار كوفيد -19 وفرض الاغلاق، ما حد بشدة من التنقلات، فيما أدى إغلاق الفضاءات التجارية، باستثناء متاجر التسوق، إلى تقويض الاستهلاك بشكل ملحوظ. وفي الوقت الذي يستعد فيه المركز الاقتصادي والمالي للبلاد، شنغهاي، البالغ عدد سكانه 25 مليون نسمة، للعودة إلى الحياة الطبيعية في يونيو، بحسب السلطات المحلية، لا تزال العاصمة بكين تعيش في ظل قيود مشددة بشكل شبه يومي مع ظهور إصابات جديدة.
واليوم الثلاثاء، أفادت لجنة الصحة الوطنية أن الصين سجلت 162 إصابة مؤكدة جديدة محلية العدوى، يوم الاثنين، منها 77 في شنغهاي و43 في بكين، مشيرة إلى أنه تم أيضا تحديد إجمالي 887 إصابة محلية بدون أعراض ، بينها 746 في شنغهاي.
وإثر نشر أرقام مكتب الإحصاء، تفاعلت اليوم الثلاثاء اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، وهي وكالة للتدبير الماكرو اقتصادي تخضع لإشراف مجلس الوزراء، وأقرت بأن الاقتصاد الصيني يواجه ضغوطا.
وذكرت السيدة منغ وي، المتحدثة باسم اللجنة، خلال لقاء صحفي، أن “الاقتصاد يواجه الآن ضغوطا قوية بسبب التأثيرات غير المتوقعة للتفشي الأخير لكوفيد-19 والوضع العالمي المتقلب”.
وأكدت أن الاقتصاد سيعود إلى طبيعته قريبا بفضل التدابير التي تم تنفيذها من أجل السيطرة على تفشي جائحة كوفيد-19 وذكرت المتحدثة أنه في عام 2020 عندما وجه تفشي كوفيد – 19 المفاجئ ضربة غير مسبوقة للاقتصاد، تمكنت الصين بسرعة من عكس المنحى النزولي في بعض المؤشرات الاقتصادية من خلال السيطرة القوية على الوباء واستئناف العمل.
وفي مواجهة الوضعية الراهنة، ستجري اللجنة التعديلات اللازمة على السياسة الماكرو اقتصادية للبلاد مع دعم المقاولات على استعادة قدرتها الإنتاجية والحفاظ على استقرار الاقتصاد. وفي صفوف المحللين، يظل التفاؤل محسوبا. وذكر تومي وو، كبير الاقتصاديين في مكتب التحليل الاقتصادي “أكسفورد إيكونوميكس”، أن تدابير مكافحة الجائحة التي تم تنفيذها في المركز الاقتصادي لشنغهاي كان لها تأثير انتشر عبر أرجاء البلاد.
وقال إن عمليات المراقبة في بعض أجزاء البلاد أثرت بشدة على سلاسل التوريد الوطنية، مشيرا إلى أن استهلاك الأسر تضرر بشدة بسبب الجائحة.
ووفقا للمحلل، فإن التأثير قد يمتد حتى شهر يونيو. وحذر من أن العودة إلى الحياة الطبيعية ستكون على الأرجح تدريجية في البداية.
ويرى المحللون أن التدابير التي اتخذتها الحكومة لدعم الاقتصاد، وخاصة من خلال تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية وتعديل السياسة النقدية لدعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، ستعطي ثمارها عبر امتصاص الصدمات المتعلقة بالجائحة وتحديات جيوستراتيجية أخرى.
وعلى أساس هذه التدابير، يتوقع الخبراء انتعاشا أكثر ثباتا للاقتصاد الصيني خلال النصف الثاني من العام الجاري.
وتتوقع الصين تحقيق معدل نمو اقتصادي بـ 5,5 في المئة في 2022. غير أن البنوك الكبرى والمؤسسات الدولية خفضت مؤخرا توقعاتها للنمو في البلاد لهذا العام بسبب ارتفاع الإصابات بكوفيد-19.
وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في الصين إلى 4,4 بالمئة مقابل 4,8 بالمئة سابقا. كما تهدف الصين، هذا العام، إلى إحداث أزيد من 11 مليون منصب شغل جديد في المناطق الحضرية، مع الحفاظ على معدل البطالة الحضرية في أقل من 5,5 في المئة، وفقا لتقرير عمل الحكومة المقدم إلى الهيئة التشريعية للبلاد في مارس الماضي.