
مكرهون نحن لا أبطال
محمد التويجر
تمديد فترة الحجر الصحي صار ضرورة ملحة، وتنزيل القرار المحدد لتفاصيله يبدو مسألة وقت ليس إلا، بالنظر إلى استمرار مؤشر الضحايا من أموات ومصابين مخلصا لصعوده الصاروخي، واتساع رقعة البؤر لتشمل التجمعات التجارية والمهنية والخدماتية، بعدما كانت مقتصرة في السابق على الأسر.
المستجد أن التمديد يتزامن مع شهر رمضان الأبرك، المتسم بعاداته وشعائره الاستثنائي، خصوصية تتطلب من جنود الميدان من أمن وأطباء وسائقي شاحنات وعمال النظافة ومن في تضحيات إضافية وبدل مجهود مضاعف، لتفادي السيناريو الأسوء، خصوصا وأن بيننا من يستهويه التهور والاستهتار وعدم المبالاة بدقة الظرفية وخطورتها.
بقدر ما نوهنا بالتزام فئات عريضة من المواطنين، وانخراطهم عن طواعية في دعم جهود مؤسسات الدولة المدبرة لمقاربة مواجهة جائحة كورونا، نجد أن الحد من نزق واستهتار المتنطعين يفرض وجوبا التعاطي معهم بمزيد حزم، بلا تراخي أو تساهل، عبر تفعيل القانون في حق الذين سولت لهم أنفسهم التمرد على مقتضيات الحجر الصحي، خصوصا في الأحياء الشعبية لكبريات المدن التي تعطي الانطباع بأنها خارج الزمن، غير معنية بما يعتمل في العالم أجمع، حيث يحلو للبعض التسمر في الأزقة، والإقدام على ممارسات يجرم غالبيتها القانون.
نعرف أن شهرا كاملا من الوقوف لساعات طوال، في أهم شرايين المدن ومداخلها جد مستنزف بدنيا ونفسيا لأولئك الذين كتب لهم أن يكونوا في الصفوف الأمامية للمعركة. لكن الواقع لا يرتفع، واقع نحن جزء منه – للأسف – بمحاسننا ومساوئنا، ويتطلب من المرابطين وحماة الوطن مزيدا من الجلد والتحمل، حتى يبقى الوضع تحت السيطرة، ولا نجد أنفسنا لا قدر الله ، مواجهين لذات الكوابيس التي يعاني منها حاليا جيراننا ومعهم جاليتنا أيضا بكل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية اللتين اضطرتا إلى رفع الراية البيضاء أمام عدو خطير يزحف في صمت، بشهية مفتوحة للإطاحة بأكبر عدد ممكن من الضحايا، (قارب عدد المصابين المليونين والنصف، والأرواح التي أزهقت 150 ألف)، مع وجود فارق جلي بينا وبينها يتمثل في محدودية إمكانياتنا اللوجستيكية المرتبطة بقطاع الصحة .
لقد تأكد بالملموس، من خلال استقراء المعطيات الرقمية أن الجهات التقليدية الكبرى ( الدار البيضاء – سطات، ومراكش- آسفي، وفاس – مكناس، والرباط – القنيطرة، وطنجة – الحسيمة ) مستأثرة بنصيب الأسد من حيث عدد الإصابات بنسبة 87.5 ٪ ، باعتبارها قطب رحى اقتصاديات المملكة. وتأسيسا على هذه المعطيات الصادمة، بات من واجب الواجبات أن تعجل الجهات المعنية بالأمور الأمنية إلى تشديد الإجراءات الاحترازية لفرض التطبيق الصارم للحجر الصحي، بالموازاة مع تسريع وزارة التجارة والصناعة لعجلة إنتاج الكمامات بالقدر الكافي، وضمان انسيابية توزيعها، للقطع مع واقع نذرتها في الأسواق، وما يترتب عن ذلك من تجوال في عز الحجر الصحي بين الصيدليات، بحثا عن الكنز المفقود، وتعريض سلامة المواطنين والوطن للخطر المحدق. مع التذكير بأن الحجر الصحي ممتد على طول اليوم ، وليس محصورا بين السادسة مساء ومثيلتها الصباحية.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، لا يسعنا إلا أن نشيد بنجاح باقي الجهات والمدن التي مكن انصهار جهود السلطات والحس الوطني للساكنة ووعيها بدقة الظرفية في جعلها حصنا مستعصيا على اختراقات العدو ومناوراته، مجددين دعوتنا للجميع باستمرار اليقظة، حتى نجتاز هذا الابتلاء بسلام وبأخف الأضرار. وآنذاك سيكون بمقدورنا – بمشيئة الله – استخلاص الدروس الممكنة، والتأسيس لنظم عيش جديدة بقيمها ومبادئها، يكون المواطن منطلقها وهدفها، سلاحه في ذلك أهمية الوعي والتعلم والقطع مع الجهل والتهور، واستشعار أهمية الانتماء والحس الجماعي، والقطع مع الاستهتار والتهور الذي لا ينجم عنه سوى المآسي والندم.
خلاصة القول ، أمام عدونا المشترك ….مكرهون نحن لا أبطال.