فن الملحون

نفحات رمضانية في رحاب الشعر الملحون – الحلقة 22

 يكتبها ل،MCG24 الدكتور منير البصكري الفيلالي/ أسفي

لعل الناظر في الأبيات السابقة ، يدرك ـ لا محالة ـ دعوة شاعر الملحون إلى مراجعة الذات ومحاسبتها ، وهو دور تربوي في غاية الأهمية ، يميل بالصائم إلى إعادة النظر في مسيرة حياته حتى يصبح لها معنى وقيمة :
الدنيا يا راسي تفوت ما يبقاشي من لا يموت
وين رفاقك وين لخوت من مشى ما بان خيالو
الدنيا يا راسي غرور لا تامنهاش راها تدور
من بعد تعطي ترجع قشور مهبول اللي تحلا لو …
فلا شك أن تشبع شاعر الملحون بعقيدته الدينية ، خلق منه إنسانا مؤمنا فطنا ، استطاع أن ينتبه بعقله وقلبه إلى الإخلاص لخالقه عز وجل ، وإلى ما يوحي به ذلك الإخلاص من فعل الطاعات وترك المخالفات ، تنفيذا لأوامر الحق سبحانه ونواهيه .
وتأسيسا على ذلك ، دعا شاعر الملحون في قصائده الرمضانية إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وهو أمر لم يكن عنده عبثا ولغوا ، بل نتيجة تشبثه بالقيم المثلى لدينه الحنيف . ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  ، يتعلقان بالدعوة إلى خير الإنسان ، ونهيه عما لم يبحه الشرع ، وكذا بالتقوى والعمل الصالح ، أي كل ما يعمل على تزكية النفس وتهذيبها وتقويمها . والدعوة إلى الخير والمعروف وحسن المعاملة ، تحرير للنفس من حي الحياة وملذاتها وشهواتها ، وذلك أرقى ما تهفو إليه النفس البشرية ، وهو مطلب أساسي في الدين الإسلامي . ومن هنا جاءت دعوة شاعر الملحون إلى النهي عن اتباع خطوات الشيطان والإمساك عن الحديث عن أعراض الناس ، وترك المشاركة في كل ما يؤذي المسلم .
معلوم أن للنفس شهواتها ، وهي كثيرة ومتعددة . لذلك ، وجدنا شاعر الملحون ، ينبه على الابتعاد عنها ومقاومتها عن طريق تطهير النفس وتزكيتها .. ومن ثمة ، كان هم شعراء الملحون ، ابتعاد النفس عن الهوى والشيطان ، تجلى ذلك في قصائدهم ، علما منهم بأن أمراض النفوس لا حصر لها ، مثل الرياء وحب الدنيا والجاه والنفاق والعصيان والحسد والعجب والكبر والغرور وما إلى ذلك . ومن هنا ، نزع شعراء الملحون إلى التبرء من هذه الأمراض النفسية الخطيرة ، والتي لا تترك للمرء فرصة الرجوع إلى الله ، والتعلق بكتابه الحكيم وما فيه من آيات تدعو إلى التحلي بالمبادئ السامية والأخلاق الفاضلة ، فكان أن فطنوا لذلك ، إذ غالبا ما يكون الإنسان حاسدا أو معجبا بنفسه أم متكبرا وهو لا يشعر ، كما أنه كثيرا ما يقع في الغيبة والنميمة وهو غافل . يقول تعالى : ” ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وأولئك هم المفلحون ” . كما يقول عز وجل في صفة نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم : ” يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر  ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ” ومن ثمة روي عنه صلى الله عليه وسلــم أنه قال : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق . ” وقال عليه السلام في الحديث المتفق عليه ، ” مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأتمها وأكملها ، إلا موضع لبنة ، فكان الناس يطيفون بها ويعجبون من حسنها ويقولون : لولا موضع اللبنة ؟..فأنا تلك اللبنة . ” فبه صلى الله عليه وسلم ، كمل دين الله المتضمن للأمر بكل معروف وإحلال كل طيب وتحريم كل خبيث . وقد وصف الله تعالى الأمة بما وصف به نبيها حين قال : ” كنتم خير أمة أخرجت للناس ، تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله ” وقال :” والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ” . فلقد بين الله تعالى أن هذه الأمة خير الأمم للناس ، فهم أنفعهم لهم وأعظمهم إحسانا إليهم ، حيث أمروا بكل معروف ، فكان ذلك كمال النفع للخلق .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر + ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض