
الكمامات الواقية بين وفرة الافتراض وندرة الواقع
محمد التويجر
من عجائب زمن فيروس كورونا، تحول الكمامات الواقية إلى عملة نادرة، حيث الكل يلهث خلفها، مستعد لاقتنائها بأضعاف سعرها، دون أن يحالفه الحظ في نيل مراده.
ترى ما سر تبرم الكمامة التي تتصرف بغنج وممانعة، وكأنها حسناء سلبت عقول الجميع؟ ولماذا هي مستعصية على ملايين المغاربة المجابهين لوضع لا يحسدون عليه: سندان درء مخاطر الفيروس اللعين، ومطرقة القوانين الزجرية المسلطة على كل من ضبط بوجه سافر؟.
إننا بصدد حالة تيه جلية، موزعة بين الرغبة في تصديق مولاي حفيظ العلمي وزير التجارة والصناعة والاقتصاد الأخضر والرقمي المفرط في التفاؤل بكون الكمامات موجودة بوفرة، وفي متناول الجميع ، وواقع حال يقول عكس ذلك .
مقرون بأن معامل الإنتاج تشتغل بوتيرة قصوى منذ قرابة عشرة أيام، حتى تكون في مستوى تحدي إظهار قدرتها على التأقلم مع الطوارئ، وتشجيع المنتوج الداخلي، ومن ثمة وقف نزيف العملة الصعبة التي يعرف العادي والبادي أن احتياطها لا يغطي سوى الأشهر الخمسة المقبلة، في انتظار طي ملف كورونا، وفتح الحدود من جديد، لتعود المبادلات التجارية إلى سابق عهدها.
مصدقون أيضا للأرقام التي أعلنها رسميا الوزير المسؤول عن القطاع، الذي زف إلينا قبل أسبوع، بشارة مضاعفة الإنتاج من مليونين ونصف كمامة يوميا، إلى خمسة ملايين .
متيقنون أيضا – إذا أسعفتنا دروس الرياضيات التي تعلمناها في حجرات المستوى الابتدائي – أن أسبوعا واحدا جد كافي لتمكين كل مواطن مغربي من كمامة واحدة على الأقل، خصوصا إذا استثنينا غالبية المرابطين بمنازلهم، تنفيذا لأحكام الحجر الصحي، غير المحتاجين لهذا “الكائن السحري”.
ترى، أين الخلل ؟
الخلل يكمن بشكل جلي في فشل منظومة التوزيع، حيث لم تفلح شركات الحليب بداية في تغطية نقط البيع بما تحتاجه من سلع، لتغير الوزارة الوجهة بعدها، صوب مثيلاتها الموزعة للأدوية، بعد قبول الصيادلة الاضطلاع بالمهمة، وتخليهم – طواعية – عن هامش الربح المخول لهم، تعبيرا منهم عن انخراطهم ،كباقي فئات الشعب والمؤسسات، في هذا الورش الوطني الكبير، الذي انبهر العالم أجمع بطريقة تدبير آليات حركيته.
للأسف، توالى الإعلان عن تواريخ شروع الصيدليات في التوزيع، دون أن تتوقف معاناة الباحثين عن الكنز المفقود. فكل من قصد إحداها إلا واصطدم بورقة مرقونة بحروف كبيرة “الكمامات غير متوفرة “، بعد أن جف حلق مسيريها من فرط نفي وجودها، ليستمر تيه المواطن، كمن يبحث عن قطرة ماء في صحراء قاحلة.
إذا كان وزير الصحة العمومية خالد آيت طالب قد دعا المغاربة قبل يومين، بمناسبة تمديد الحجر الصحي لشهر إضافيـ إلى مواصلة الانخراط بحزم وجدية وتفادي التراخي، فإننا بدورنا ندعو المشرفين على توزيع الكمامات إلى اتباع النصيحة ذاتها، حتى يكون هناك مبنى ومعنى لتشريع القوانين وتنزيلها، لأنه لا يستقيم أن نسارع إلى تفعيل قانون زجري تترتب على تركه عقوبات مزاوجة بين الغرامة والاعتقال، فيما يسير الشق الثاني المرتبط به مخلصا لإيقاع السلحفاة.
إلى أن يثبت العكس، نعتبر آليات توزيع الكمامات نوطة شاذة في معزوفة أوركيسترا بدأت متناغمة، ويجب أن تستمر كذلك، حفاظا على مكاسب بلد، نجح بفضل إجراءاته الاستباقية، في تجنب ويلات ومآسي. وانسجاما أيضا مع ما راكمته المملكة من تجارب ناجحة في السابق….أليست هي التي فاجأت العالم سنة 1975 من القرن الماضي بدقة تنظيم المسيرة الخضراء التي مكنتها من تحرير صحرائها من ربقة الاستعمار، حيث نجحت مصالح الدولة آنذاك في توفير اللوجيستيك الكافي لنقل وإعاشة 350 ألف مشارك طيلة أيام الملحمة.؟
تأسيسا على كل ما سبق، لا بأس أن نذكر الوزير مولاي حفيظ العلمي بأنه محاك لعداء يوجد في منعرج الحلبة، ولا تفصله عن خط وصول سباق التناوب سوى أمتار قليلة. ومن ثمة ، فتكتيك المرحلة يفرض عليه وجوبا الانتقال إلى السرعة القصوى، حتى لا يفوت على فريقه نيل شاهد السبق والتميز، أمام منافس متمرس معتاد على الحلبة وتفاصيلها، عارف بحواجزها واتجاه ريحها، ممتلك لكل آليات المباغتة، في سباق لا يقر إلا بالعداد، ولا تحسمه أحيانا سوى أجزاء صغيرة من الثانية.
بكل بساطة، نريد أن ننزل الكمامات من فضاء الافتراض إلى أرض الواقع.
الله المعين