سلايدرما وراء الخبر

رمضان في زمن الكورونا

محمد التويجر

ساعات قليلة تفصل الأمة الإسلامية، في مشارق الأرض ومغاربها، عن معانقة الأجواء الربانية التي يوفرها شهر رمضان، حيث الطريق معبدة ميسرة لتقوية صلة العبد بمولاه، وترسيخ إيمانه به وشكره على أفضاله ونعمه، وتنظيف قلبه مما علق به من تحجر وتكلس، والإكثار من فعل الخيرات، والقطع مع المعاصي، ما ظهر منها وما بطن.
بكل تأكيد أن رمضان هذه السنة استثنائي في ظرفيته، جراء ما فرضته الحرب على فيروس كورونا من إجراءات احترازية، لغاية تحصين البلاد والعباد من أخطار محدقة. ومن ثمة، فطبيعي أن نفتقد عادات دينية ودنيوية توارثناها أبا عن جد. من قبيل التوافد على بيوت الله، والتقرب إليه سبحانه وتعالى بمختلف أشكال العبادات، من صلاة وقيام وصدقة وصلة رحم وما إلى ذلك.
فجأة، صدت أبواب المساجد دون أن يخفت أذان مؤذنيها الموحد لله والمكبر له خمس مرات في اليوم. كما افتقد الحرمان الشريفان لتوافد ملايين المعتمرين، الذين تهفو قلوبهم إلى تلك الرقعة المطهرة، لتجديد الصلة مع رب غفور رحيم، لا يترك من رفع كفيه تضرعا إليه بلا استجابة.
فجأة، فرض علينا الاعتكاف بمنازلنا اتقاء لشرور عدو خفي، مفتقدين وجوها ألفنا معانقتها وتقبيل أياديها والسؤال عنها للاطمئنان على أحوالها.
رب قائل إن كورونا أفقدت التحضيرات التي تسبق شهر الغفران حلاوتها وخصوصيتها. لكن ألا ترون أن الابتلاء في حد ذاته فرصتنا لنجعل من أيامه الفائحة بعبق التوحيد ونسائم الرأفة والرحمة، محطة لمساءلة الذات والتصالح معها، وتصحيح أخطائها الكثيرة، حيث صرنا أسرى الملذات وإغراءات النفس الأمارة بالسوء، والإفراط في كل أشكال أنانية بغيضة.
غني عن البيان، أن الله جل جلاله موجود أينما ولينا الوجوه، ولا نحتاج سوى إلى اليقين في رحمته وعفوه، والتقرب إليه عبر نجدة المحتاجين من ذوينا وجيراننا ومعارفنا، الذين تسببت لهم الجائحة في فقدان مصادر رزقهم، ومع ذلك تحسبهم أغنياء من التعفف..لكم أن تتخيلوا حجم السعادة التي ستدخلونها بلمسة حنان منكم على رأس يتيمهم، وإعانة عينية بسيطة في كمها، غنية بحسناتها ـ تسد رمقهم، أو تلبية طلب أحد سائليهم طرق بابكم طلبا لتخفيف وطأة حاجة وضيق ذات يد.
علينا ألا نتحجج باستثنائية رمضان هذا العام وأجوائه غير المعتادة، لنبرر استمرار تيهنا ولهثنا خلف المادة….علينا التسليم بأن عبادة الله متاحة في كل زمان ومكان، وأنه سميع الدعاء، سريع الاستجابة. لذا ، من واجب واجباتنا الإكثار من التقرب إليه عبر الصلاة، المفروضة منها والمستحبة، وختم قرآنه مرات ومرات، وخلق أجواء التراويح ببيوتنا، بعدما استعصت إقامتها مؤقتا بالمساجد، والارتواء من نبع ما تزخر به سيرة خاتم الأنبياء والرسل، عليه أزكى الصلاة والتسليم، من مكارم الأخلاق ومحاسن العبادات. مستحضرين في ذات الآن ما تطلبه منه نشر التعاليم الإسلامية من تضحيات جسام، ومتدبرين ما تكابده وتعانيه الأقليات، مسترخصة كل غالي لنفيس للسير على هداه والوفاء لنهجه، بعدما قدر لها أن تعيش في حدود دول ذات توجه عقائدي مخالف.
نسعد كثيرا حين نسمع بأن الجائحة – رغم مآسيها الكثيرة – قوت عرى التضامن بيننا، وأن الكثيرين ممن كانت قلوبهم متعطشة للطواف حول الكعبة والصلاة في الروضة الشريفة بالمدينة المنورة، آثروا – أمام استحالة التحول إلى هناك – التصدق بمصاريف العمرة المعلقة لفائدة الفقراء من معارفهم ، وتجنيبهم الإحساس بحرقة الفاقة.
إن تقليب صفحات التاريخ الإسلامي تحيل على أن شهر رمضان حفل بمحطات عدة مؤثرة على درب تقوية بنيان الدولة الإسلامية، بدء من الحروب التي خاضها المصطفى صلى الله عليه وسلم لإعلاء راية التوحيد والقطع مع الشرك والجهل وحب الذات. فلما لا نعلنها حربا موازية مع تلك نخوضها ضد كورونا، لتنظيف دواخلنا وتعقيمها من رواسب المغريات المادية، وتحضير أبنائنا للمهمة التي تنتظرهم في الأجل المنظور، قصد تحصين دينهم ودنياهم ضد كل الرياح الفكرية الشاذة والنزوات المادية الهدامة التي تتربص بهم، وتقوية يقينهم وارتباطهم بخالق الكون، المنشود تدخله دوما لرفع كل بلاء…وفي ذلك، فليتنافس المتنافسون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض