ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة الثانية

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

تلك كانت حال أهل أسفي، خلق نبيل، وعطاء مستمر، سخروا أنفسهم للعمل الصالح، ولنشر القيم الفاضلة، وتيسير السبل، وهو أمر جسده الذين جاءوا بعدهم على الرغم مما أصاب مدينة أسفي، خاصة في عهد الوطاسيين، حيث ضعفت الدولة واستولى البرتغاليون على المدينة، وعاشوا فيها فسادا على مرآى ومسمع من أهلها، فانطمست معالم الحضارة التي ظهرت من قبل، فلم يبق بالمدينة أثر للعلوم والمعارف.. إلى أن قيض الله تعالى للمغرب مجيء الدولة السعدية، إذ في عهدها تحررت مدينة أسفي من يد الاستعمار البرتغالي، فانبعثت من جديد، وتحققت بها نهضة دينية وعلمية؛ وذلك على يد نخبة من رجالاتها الذين أعادوا لها الروح من جديد، من خلال ما أبانوا عنه من تمكن علمي، وتبريز معرفي، رفعوا به لواء العلم في المدينة، فشرف أهلها بما حظوا به من مشاركات علمية هؤلاء مثلا:

– العلامة أحمد بن عبد الرحمان الأسفي.
– العلامة أحمد بن سليمان الشيظمي أحد شعراء المنصور.
– الفقيه علي إبراهيم الأسفي المتوفى سنة 1053هـ.
ـ الخطيب الإمام إبراهيم بن محمد بن أبي موسى المتوفى سنة 1071هـ.

ولولا ما أصاب البلاد – بعد موت المنصور – من تنازع بين أولاده على الحكم، وكثرة الفتن والاضطرابات، لكان لمدينة أسفي شان كبير في عهد السعديين، ويشاء الله تعالى أن يجمع شتات هذه البلاد ويوحد أطرافها، ويقوي مكانتها، ويدعم وحدتها، يتعلق الأمر بالدولة العلوية التي هي استمرار لعهد الأشراف الذي بدأ مع السعديين في النصف الأول من القرن السادس عشر، وهذا حسب وجهة نظر غير قليل من المؤرخين.. على الرغم من الفوارق المعروفة بينهما.
فالدولة السعدية قامت لتقضي على دولة الوطاسيين المتخاذلة، وتواجه العدوان البرتغالي على الشواطئ الغربية بتكليف من بعض الزوايا الجزولية المنبثة في الجنوب المغربي، ومنها ثغر أسفي، فهي إذن دولة قامت لتنفيذ برنامج محدد اتفقت عليه الزوايا في إطار الدعوة للجهاد وتصحيح الكيان السياسي. لكن حين دب الخلاف وتعددت الزعامات والكيانات السياسية، برزت الدولة العلوية للوجود، وكانت مند بدايتها، ترتكز على العمل والعطاء الشخصي، مما خول لها أن تصبح مصدر قوة للمغاربة. وهكذا عادت لمدينة أسفي نهضتها العلمية، حيث لقيت تشجيعا كبيرا من طرف ملوك الدولة العلوية الشريفة، كما أن الأمراء والقواد كانوا يتسابقون نحو بناء المعاهد العلمية والقرآنية، ويفتخرون بما أنجزوا بغية أن ينالوا الإجلال والتقدير من طرف الدولة والسكان. ففي عهد السلطان المولى إسماعيل، أنشئت بالمدينة عدة مدارس وخزانات المكتب وغير ذلك من الوسائل التي ترغب في طلب العلم والاستزادة منه. وقد نبغ في عهد الدولة العلوية من رجالات هذه المدينة العلماء:
– عبد الله بن ساسي الأسفي صاحب كتاب: “الكوكب اللامع في العمل بدوائر المطالع”.

– الطيب عبد الله بن ساسي، مؤلف كتاب: “رياض الأزهار في علم وقت الليل والنهار”.

– محمد بن عبد العزيز الأسفي صاحب كتاب:” إرشاد السائل إلى معرفة القبيلة بالدلائل”.

– أبو حفص عمر بن مبارك الزبدة صاحب كتاب: “الكوكب الساني في النسب الكتاني”.

– التهامي الفاروقي مؤلف كتاب: “الأقمار في مناقب الأخبار”.[1]

– أحمد بن علي الصويري الأسفي،” شارح الهمزية والبردة”.

– محمد بن أحمد التريكي صاحب كتاب: “إرشاد النبيه إلى معاني التنبية”.

وهكذا، ظلت مدينة أسفي لعقود طويلة مجالا رحبا للعلم والثقافة، فكانت تلك ميزتها البارزة وشعارها بين باقي المدن المغربية كفاس ومراكش وتطوان وغيرها..وهذه حقيقة يقتضيها الوفاء لهذه المدينة التي طالما قدمت للثقافة والحضارة أجل الخدمات.. لكنها اليوم، وعلى الرغم من وجود الجامعة والمدارس العلمية والعليا، تفتقر لوجود العمل العلمي والثقافي، كما تنقصها غيرة أبنائها ممن استطاعوا أن يصلوا بتكوينهم الجيد وبخبراتهم العلمية والفكرية إلى أوج العطاء، دون أن تستفيد المدينة منهم، ليترك الحبل على الغارب. وعلى هؤلاء وغيرهم أن يدركوا أن مدينة أسفي لها الكثير من المزايا البشرية والجغرافية والتاريخية والاقتصادية، أهلتها عبر العصور لتصبح مركز علم وحضارة شأنها في ذلك شان غير قليل من المدن المغربية.
وقد أبدع الوزير الأديب لسان الدين بن الخطيب السلماني فيما قاله عن أسفي حين زيارته لها، وذلك في كتابه: “معيار الاختيار”..” أسفي، لطف خفي، ووعد وفي، ودين ظاهره مالكي وباطنه حنفي، الدماثة والجمال، والسذاجة والجلال، قليلة الأحزان، صابرة على الاختزان، وافية المكيال والميزان، رافعة للداء بصحة الهواء، بلد موصوف برفيع ثياب الصوف، وبه تربة الشيخ أبي محمد صالح، وهو خاتمة المراحل لمسورات ذلك الساحل، لكن ماءه قليل وعزيزه لعادية من بواليه الأعراب ذليل…” وفي كتابه:” نفاظة الجراب فيمن جمعني وإياه الاغتراب” يقول ابن الخطيب عن أسفي:” وهذا البلد فسيح بطيب الهواء، كريم التربة، خصيب الجناب، وأهله أولوا خيرة وجنوح إلى الصلاح، وهو لبنة التمام للمسورات بالمغرب، ليس وراءه مدينة جامعة ولا محلة مسور؛ ودونه أمم تتصل بالسوس الأقصى إلى تخوم الحبشة من وراء الصحراء..”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض