سلايدرما وراء الخبر

“بوزبال”…أو حين تختل الموازين والمفاهيم

محمد التويجر

إلى جانب الأطباء وممتهني التمريض، والأمن بكل أطيافه، هناك فئة من جنود الخفاء المتخندقين حاليا في الصفوف الأمامية للمعركة ضد وباء كورونا، مغبونة في حقوقها، مستصغرة جهودها، لأن المجتمع اعتاد التعامل معها بنظرة دونية، واصفا إياها بأبشع الأوصاف. فيما تحظى في الشرق الأقصى بالتقدير، وتنال مقابل عملها المضي رواتب محترمة.
إنهم نساء ورجال النظافة، الذين تراهم منتشرين بدءا من الساعات الأولى للصباح في مختلف الشوارع والأزقة، منهمكين في تجميع أطنان النفايات، معرضين أنفسهم إلى مخاطر جمًة،  بسبب افتقادهم لشروط السلامة الكافية، واستهتار أرباب البيوت الذين لا يكلفون أنفسهم بذل مجهود إضافي، بوضع “زبلهم” في أكياس يحكم إغلاقها، والفصل بين النفايات حسب طبيعتها (هناك من يضع الزجاج المكسور في ذات الكيس، دون أن يدرك بخلده أنه يعرض جنود الخفاء إلى الخطر المحدق).
حتى التسمية القدحية تحيل على استصغار هذه المهنة الشريفة…مول الزبل – بوزبال الميخالي – الزبال وما إلى ذلك من مصطلحات، تؤكد أن هرم القيم عندنا مقلوب، محتاج إلى خلخلة استعجالية قصد إعادة ترتيب الأولويات والأدوار التي يضطلع بها كل واحد منا، بعيدا عن العُقد والنفاق الاجتماعي الذي ضرب أطنابه بيننا، مُلْحقا بعلاقاتنا المجتمعية أضرارا مؤثرة، مصيبا إياها بتشوهات ستكون لها لا محالة تبعات خطيرة في المستقبل.
لنستحضر أن الكثيرين من ذوي المهن الصغيرة ( وعمال النظافة منهم) ساهموا، إلى جانب دورهم الحيوي في حياتنا اليومية، في إهداء الوطن أطرا مميزة، منهم المهندس والطبيب والمحامي ووو…لذا، بات من اللازم إعادة النظر في تعاطينا العنصري مع هذه الفئة، عبر تقدير مجهودها  الموصول، وتمكينها من سبل العيش الكريم، خصوصا وأن مرفق النظافة في غالبية المدن تم تفويته لشركات أجنبية. وأعتقد أن سلامة نساء ورجال النظافة، وصون حقوقهم، وتمكينهم من راتب ينسجم وأدائهم بالميدان، بات من الملفات الحيوية التي يجب التفاعل معها بالسرعة المطلوبة لغاية تقويم الاختلالات التي يعاني منها.
في انتظار ذلك، وبحكم هذه الظرفية التي تجتازها بلادنا منذ شهر تتسم بدقتها وأخطارها المحدقة، علينا أن نستشعر ونحن نهم بوضع نفاياتنا بالأزقة، أننا نعرض بسبب تهاوننا وتهورنا صحة هذه الفئة إلى مخاطر لا تعد ولا تحصى…وأضعف الإيمان فرز النفايات قبل وضعها في الأكياس البلاستيكية وإحكام ربط الأخيرة، في انتظار استيعاب الجدوى من تثبيت الحاويات البلاستيكية الخاصة بتجميع القمامة، بدل سرقتها أو إضرام النار فيها .
في الختم هلاّ تدبربنا دلالة الاسم القدحي ل “بوزبال”. حسب علمي المتواضع، عادة ما تربط الدراجة المغربية “بو” بمفهوم الصاحب أو المنتج  بدل المشتغل في المجال. فالكلمة تعود على المخلِّف للنفايات وليس مستهلكها أو جامعها. بعبارة أخرى لنرى حقيقة وجوهنا في المرآة….أكيد سنلمس عبرها كثير تشوهات حان وقت إصلاحها، وأولى خطوات ذلك احترام عمال النظافة من الجنسين، وتقدير العمل الذي يباشرونه، والناس نِيام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض