سلايدرما وراء الخبر

من أجل رفع تدريجي ناجح للحجر الصحي

محمد التويجر

باستثناء الصين التي نجحت بنسبة كبيرة في التطبيع التدريجي مع الأجواء العامة التي كانت سائدة، قبل أن يفرض فيروس كورونا كلمته على العالم أجمع، مصيبا مختلف الربوع بشلل جلي، تعطي ضبابية المشهد وتباين نجاح إجراءات باقي بلدان المعمور الانطباع بأن حرب غالبيتها ضده مازالت طويلة، تتطلب مزيد  تضحية ويقظة وخسائر أيضا، اللهم دولا محصورة العدد، تزاوج حاليا بين مواصلة حصر انتشار الفيروس وإعداد الخطط الكفيلة بضمان عودة تدريجية ناجحة إلى إيقاع معيشها اليومي المعتاد.
بكل فخر، المغرب أحد هذه البلدان المستشرفة لغد قريب تزول فيه ، بحول الله ، الغمة، وترفع فيه قيود وتبعات حرب فرضت علينا فرضا، لكننا جابهناها بتدبير رزين، مهتدين بالقيادة جلالة الملك النيرة، الذي نجح بفضل حسه الاستباقي الموفق في تجنيب البلاد كارثة وشيكة، أمام عدو قهر أقوى البلدان عتادا وأكثرها استعدادا.
بموازاة مع تواصل تضحيات جنود الميدان من قوى مدنية وعسكرية، وانخراط باقي مكونات المجتمع المغربي في المعركة، كل حسب إمكانياته ومجهوده. ينكب خبراء المملكة حاليا على بلورة تصور متكامل قصد رفع حالة الحجر الصحي بنجاح، واستئناف مباشرة أوراشنا الكبرى المفتوحة التي تعطلت بشكل مؤقت جراء المستجد…تصور مستقى من تجارب الدول التي وفقت في الحد من انتشار الفيروس والتخفيف من وزر فاتورته، أخذا بعين الاعتبار الخصوصية المغربية، ونجاعة التدبير الملكي الذي ينم عن احترافية وكياسة وتجاوب عفوي مع نبضات المواطنين وانشغالاتهم، واستحضار موصول لمصالح الوطن العليا، بشكل نال إعجاب عديد الدول والهيئات المختصة، بحكم أن المقاربة الملكية آثرت منذ منطلقها سلامة المواطن على اقتصاديات الوطن.
ومن هذا المنطلق، وحتى تكون الفترة الانتقالية موفقة، علينا الحفاظ على ذات الروح والتوجه، عضدنا في ذلك اعتمد تدبير استباقي وواقعي، ييسر رفع الحجر الصحي بالتدريج، تفاديا لموجة ثانية من انتشار الوباء، مع ضرورة توفير الشروط الموضوعية لمباشرة معركة لا تقل أهمية مرتبطة بتحريك عجلة اقتصادية، استنزفت كثيرا جراء هذه الأيام العصيبة.
على الميدان، يتضح عموما بأن المملكة نجحت، بنسبة كبيرة، في إبقاء الوضع الوبائي تحت السيطرة، رغم ما تطلبه ذلك من تضحيات جسام، خصوصا حين مجابهة البؤر العائلية والمهنية والسجنية. وما كان لهذا النجاح أن يتحقق لولا حزمة الإجراءات التي اتخذت تباعا من قبيل صرامة التدابير الاحترازية الصحية، وإلزامية ارتداء الكمامات  الوقائية في الأماكن العمومية، ومضاعفة عدد أسرة الإنعاش، وتكثيف اختبارات الفحص اليومي، ومراقبة المخالطين للمرضى. والحصيلة تراجع مضطرد لنسبة الوفيات منذ أسبوعين، وبقاء قرابة 90 ٪ من أسرة العناية المركزة غير مستغلة.
رغم كون الحصيلة واعدة، علينا ألا نسقط في فخ التراخي والاستخفاف بعدو قادر على التأقلم مع كل الظروف والمستجدات. بالعكس من ذلك، إن المؤشرات الإيجابية تساءلنا جميعا للحفاظ على ذات الصرامة، وجعل الرفع التدريجي لقيود الحجر الصحي مرتكزا على المعطيات الرقمية الدالة، في مقدمتها الحرص على استمرار الحالات اليومية للعدوى في الانخفاض على مدى لا يقل عن الأسبوعين، يوازيه استقرار في معدل انتشار الفيروس ونزوله بالضرورة عن حاجز مصاب واحد جراء الاحتكاك بحامل الفيروس (المعدل الطبيعي يتأرجح بين 3 إلى 4 مصابين).
إن المرحلة المقبلة تفرض بالضرورة التحلي بالصبر والصمود والأناة، واعتماد خطة مبنية على التدرج والاستثمار الإيجابي للأرقام الصادرة عن المصالح المختصة. في انتظار الاهتداء إلى لقاح كفيل بكبح جماح الفيروس القاتل، والحد من سرعة انتشاره.
ولتجنب ردة فعل عكسية، تعيدنا إلى نقطة الانطلاقة، أولى الخطوات الواجب اعتمادها، تمديد الحجر الصحي الإلزامي إلى ما بعد عيد الفطر المشجعة أجواءه على تفاقم الوضع. مع الحرص على أن تقود الجهود المبذولة بالميدان إلى استقرار معدل انتشار للعدوى في أقل من شخص واحد، واستمرار انخفاض عدد الحالات اليومية الإيجابية، وتلك المحالة على غرف العناية المركزة، على مدى أسبوعين.
وضمانا لمسار خالي من المعيقات، يستحسن أن تباشر خطوات الرفع التدريجي للحجر الصحي بشكل متزامن عبر مختلف جهات المملكة، مع إعطاء الأسبقية للمدن التي حافظت على سجلها خاليا من الإصابات، أو شهدت حالات محدودة، مع الحرص على استمرار التباعد الاجتماعي في الأماكن العامة ووسائل النقل، وإلزامية ارتداء الكمامة حين مغادرة مقرات الإقامة، يليها استئناف الدراسة المقرون بالاحترام الصارم للإجراءات الاحترازية تحت إشراف الجهات المختصة، ثم الترخيص للتجمعات العامة، وفتح المساجد بداية أمام أعداد محدودة من المصلين.
ومن الإجراءات المصاحبة : استئناف حركية التنقل الداخلي مع إعطاء الأولوية للحالات التي وجدت نفسها عالقة حين تفعيل منع التنقل بين المدن، مع ضرورة إخضاع العائدين إلى المغرب لإجبارية العزل لمدة أسبوعين، وكذا استئناف العمل داخل المقاولات والإدارات بالتدريج، شريطة مراعاة معايير الوقاية.
رغم التقيد بأعلى درجات اليقظة والالتزام، فإن الوضع الحالي يبقى هشا منذرا بكل  الاحتمالات.وفي انتظار ظهور لقاح خاص بفيروس كوفيد 19 وتوفره على نطاق واسع عبر العالم، تبقى ضرورة الحفاظ على صرامة التباعد الاجتماعي في الأماكن العامة ووسائل النقل، وكذا ارتداء الكمامة خارج المنزل أبرز حلين لإبقائه تحت السيطرة. لتأتي بعدها مرحلة ثانية تتمثل في إقران السماح بالتنقل بين المدن وكذا الدول بضرورة التوفر على شهادة أو جواز سفر يؤكدان استفادة المسافر من اللقاح  المذكور.
هي رزمة إجراءات ضرورية، يسهم تنزيلها بالشكل الأمثل في التطبيع مع حياتنا العادية، وإلى أن يتحقق المبتغى، على الجميع أن يبقى حريصا على مواصلة المعركة بلا هوادة، بذات الصرامة والتفاني، لأن أبسط تهور أو استهتار، سيمكن الفيروس من الانتعاش مجددا وتمكينه من الظروف المثلى للضرب بقوة، مطيلا بذلك عمر حالات استثناء جد ثقيلة من حيث مدتها وخسائرها البشرية والمادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرة − ستة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض