
أثر الثقافة الإسلامية في الشعر الملحون المغربي – الحلقة السادسة
إعداد : د. منير البصكري
أسفي
إن المتتبع لقصائد الملحون ، سيجد ـ لامحالة ـ أن الشعراء لم يقتصروا في ثقافتهم على القرآن والحديث، بل يقدمون أحيانا معلومات فقهية وتاريخية ، ومعنى ذلك أنهم كانوا على حظ وافر من هذه الثقافة الإسلامية ، بل لعل منهم من كان من العلماء، كالشيخ محمد بن علي ولد أرزين .. فقد حفظ القرآن الكريم وانتقل إلى فاس حيث التحق بجامع القرويين . والشيخ لعميري الذي كان له إلمام بغير قليل من العلوم المتصلة بأصول الشريعة والتاريخ ، والشيخ عبد العزيز المغراوي وكان ملهما ومبدعا بقدر ما كان أيضا تقيا عالما وفقيها، وغير هؤلاء كثير .
وتأسيسا على هذا الأمر ، نهلت قصيدة الملحون من الثقافة الإسلامية واستهدت بمضامينها ، إذ إن فرص إفادة الشعراء منها متعددة ، فقد وجدوا فيها مادة غزيرة ، يمكن أن نستوحي منها انطلاقتنا في بناء ثقافة وأدب حديثين. فإذا كانت عناصر تراثنا الفكري والأدبي تتفاوت في استمراريتها ومساهمتها في دفع نهضتنا الحضارية ، فإن القرآن الكريم وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليسا وقفا على مرحلة معينة أو عصر معين ، بل هما المصدر الأكبر لهذا التراث ، فاضا على ألسنة أدبائنا حين يكتبون شعرا على تفاوت بينهم في طرق الأداء .
إن الثقافة الإسلامية التي رضع شعراء الملحون من لبانها ، أملت عليهم الاهتمام بالمدائح النبوية ، وتسجيل المناسبات الدينية كالحج وقدوم شهر رمضان ، ومعارك المسلمين وانتصاراتهم التاريخية . كما أن ارتباطهم بالعلماء والوعاظ وغيرهم ، جعلهم يتبارون في متابعة مواقفهم ويتفاعلون معها .
ولو تتبعنا نتاجاتهم الشعرية ، لوجدنا أثر الثقافة الإسلامية واضحا ، شأنهم في ذلك شأن شعراء الفصيح .
ويستطيع الباحث أن يلحظ في سلوكهم ، إسراعهم إلى التوبة وطلب الغفران حين يصدر منهم ما يخرجهم عن الوفاء للقيم الدينية الإسلامية ، استجابة للخلق الديني الذي جبلوا عليه ، أو إلى الضابط الاجتماعي الذي كان له تأثير كبير في المحافظة على قيم المجتمع ومبادئه .. وليس ذلك إلا من أثر الثقافة الإسلامية .. في حين أن تأثير الثقافة الغربية منعدم عند شعراء الملحون ، على الرغم من امتداد تيار التغريب إلى مختلف مظاهر الحياة الثقافية في المغرب وعلى الرغم أيضا من استخدام الثقافة الغربية أسلحتها في الاستلاب والتغلغل والتأثير .
ولولا العقيدة الثابتة التي تضرب جذورها في نفوس هؤلاء الشعراء إلى الأعماق ، ويمتد عمرها إلى خمسة عشر قرنا ، لما استطاع المجتمع الإسلامي أن يصمد لهذه الحملة التي جند لها الغرب أساطيله ورجاله وعلمه .
إن شعراء الملحون ظلوا متمسكين بعرى الثقافة الإسلامية ، فلم تستطع تيارات التغريب أن تشكلهم وتترك بصماتها على ثقافتهم و سلوكاتهم ..وعلى النقيض من ذلك، وجدت المعاني.