
أثر الثقافة الإسلامية في الشعر الملحون المغربي – السابعة
إعداد : د. منير البصكري
أسفي
لقد وجدت الموضوعات القرآنية والحديثية طريقها إلى الشعر الملحون ، وبذلك كانت الثقافة الإسلامية رافدا أصيلا من الروافد التي ألهمت الشعراء وأغنت تجاربهم ، وفتحت أمامهم أبعادا خصبة من الرؤية الكلية للحياة ، فلا أحد يماري في أن العلاقة بين الدين والشعر علاقة متبادلة . فقد استطاع الدين أن يمد الشعر بموضوعات جليلة ، وأن يلونه في كثير من الأحيان بألوان دينية مختلفة .
ومن الموضوعات التي استأثرت باهتمام شعراء الملحون ، نجد صفات الله تعالى، الإيمان به و بملائكته و رسله ، الإيمان بالقضاء و القدر و الجنة و النار و الثواب و العقاب. ثم ذكر صفات المؤمنين كالخشية من الله و الثقة به و التوكل عليه و الصبر و الجهاد . و التسامح ، بالإضافة إلى موضوعات العبادة كالصلاة و الصوم و الحج و الزكاة ، ثم ذكر صفات الكافرين و المنافقين كالظلم و الكذب و نقض العهود، و فلسفة الحياة و الموت ، و غير ذلك من الموضوعات التي أمدتهم بها الثقافة الإسلامية، و لذلك يتعذر على الباحث أن يحيط بجميع هذه الموضوعات ، فهي كثيرة و متشعبة ، و ليس هدفها هو الإحاطة بها ،و إنما أردنا فقط أن نلامس بعض الموضوعات التي وجد ت هوى لدى شعراء الملحون ،فنقلوها الى تجاربهم الشعرية .
ففي مجال التوحيد مثلا ، أرضى شاعر الملحون عقله و قلبه فآمن بأن لا إله إلا الله هي الصيغة الإسلامية الأولى البسيطة في دلالتها، لذلك نشأ التوحيد عنده عن إدراك مباشر لما يتجلى في قلبه من معاني الوحدة الإلهية . فعقيدة الإسلام هي عقيدة التوحيد ، و كلمة الشهادة (أشهد أن لا اله إلا الله ، و أن محمدا رسول الله) هي الكلمة الجامعة لهذه العقيدة الدالة على التوحيد الخالص لرب العالمين .
و من هذا المنطلق ، سار شاعر الملحون وفق ما نص عليه القرآن والسنة ببساطة ووضوح وهو يسعى إلى إيقاظ العقول للتدبر و التأمل و توجيه الشعور و الاحساس بوجود الإله الواحد الأحد ، عملا بقوله تعالى : فاعلم أنه لا اله إلا الله .
فالموجودات على اختلافها و تعدد أنماطها و آثارها هي من صنع الله و حده، و هذا فعلا ما أثبته القرآن الكريم في مثل قوله تعالى : صنع الله الذي أتقن كل شيء ، إنه خبير بما تفعلون..
يقول شاعر الملحون ابن الصغير :
حق الحق أصاح راه ما كاين غير الله صانع أو بادع ما يختار
سر الله المالك الأكبر جل جلاله الجليل في كل اشارا …