سلايدرما وراء الخبر

لا تلعبوا بالنار

محمد التويجر

فيما ملايين المغاربة منشغلون بمحاولة تكسير أغلال المجهول التي كبلهم بها فيروس كورونا، متوجسون من احتمال إصابتهم وذويهم بالعدوى التي أودت حتى الآن بحياة قرابة 200 شخصا…نجد أن البعض غير مبال بما يقع حوله، وكأنه قاطن بكوكب آخر.
تفاعلنا، غير ما مرة، مع حالات استهتار هذا “البعض”، محاولين فهم ما يدور بخلده، وكشف سر تحرره من الخوف المستبد بالبشرية جمعاء، دون أن نوفق في مسعانا.
حاولنا أن نلتمس له العذر بأنه أسير الشعور بالملل، نتيجة طول مدة الحجر الصحي….لكن، أليس هو ذات الوضع الذي يعيشه الكل بالمغرب وخارجه؟
بدون مقدمات ولا أعذار، يبدو أن هذه الفئة المتمردة على ذاتها قبل الغير ضحية تفكير مفرط في الأنانية، مفتقدة لأبسط القيم المجتمعية المرتكزة على كون الانتماء إلى الوطن حقوقا وواجبات، أخذا وعطاء.
مللنا من معاينة الكثير من المشاهد الكاريكاتورية الموزعة بين مصادفة فرادى وزرافات هائمون بلا هدف في الدروب والأزقة، يتجولون بوجوه سافرة..واحتفالات غريبة غير مفهومة داخل العديد من الأحياء الشعبية، حين استقبال المتعافين من الفيروس الفتاك، مهيئة المجال خصبا لكورونا لمزيد توغل…واستخفاف بالنصائح المبثوثة عبر المحطات الإذاعية والتلفزيونية والصحف التي تبسط الخطوات الواجب اتباعها لتجنب السقوط في شراكه…لكن أن يصل الحد بمصابين “يا حسرة” يفترض فيهم أنهم مرشحون لملامسة الموت في أي لحظة ، يؤرخون لتهورهم داخل غرف العزل والعلاج بصور فيديو، تظهر شبانا يتنافسون فيما بينهم لتحديد من سيكون السباق إلى تكسير وإتلاف مصابيحها، وسيدة أخرى حولت دعامات سرير العلاج لممارسة لعبة الأرجوحة، فيما صديقاتها منخرطات في التصفيق والغناء مباركات المشهد، فتلكم قمة السريالية والعبث واللا مسؤولية.
ألا يعرف هؤلاء المتهورون أن تلك الغرف والتجهيزات تطلبت ملايين الدراهم لتوفيرها على عجل، وبمساهمة مختلف أطياف المجتمع، حتى نكون في مستوى اللحظة، محصنين قدر الإمكان ضد عدو، ميزته وقوته في سرعة المباغتة؟
ألا يدرك هؤلاء بأنهم سيحرمون، بسبب تصرفاتهم الصبيانية، مرضى آخرين من ظروف مثلى للعلاج؟
أين روح المواطنة لديهم؟….بل أين هو حسهم الإنساني؟
ألا يعلمون بأنهم معرضون للمساءلة القانونية بتهمة إتلاف ملك الغير؟ ثم ، لماذا اكتفت مصالح وزارة الصحة بدور المتفرج أمام مسرحية العبث هذه، وهي المتوفرة على حراس مداومين، في إطار ما يعرف بخدمات المناولة، للحد من عبث إتلاف محتويات غرف العلاج ، ممتنعة عن اللجوء إلى المساطر القانونية المناسبة، قصد إيقاف المفسدين عند حدهم، حتى يكونوا عبرة لكل من سولت له نفسه مستقبلا إتيان مثل هذه الأفعال.
لا أعتقد أن بمقدور بلادنا تحقيق الطفرة المنشودة، ما دام بيننا مثل هؤلاء، الذين لا يجيدون سوى الاحتجاج والرغبة المرضية في هدم كل ما هو جميل تحت سماء هذا الوطن.
مهما طالت، ستنتهي الحرب ضد كورونا، وسيتم تدارك ما خلفته من خسائر وترميم الشروخ التي لحقت بنياننا الاقتصادي….لكن الحرب ضد الجهل تتطلب نفسا طويلا ومكابدة من أجل إعادة النظر في مجموعة من الأمور ذات الصلة الوثقى بالمجتمع، في مقدمتها نظمنا التعليمية البالية التي أفقدت المعلم والأستاذ سلطتهما المعنوية، محولة الأقسام إلى فضاء لارتكاب مختلف أشكال الفظاعة، تتقدمها كثرة الاعتداءات الجسدية على من قال في حقه الشاعر أحمد شوقي، قبل 88 سنة : “كاد المعلم أن يكون رسولا”، إضافة إلى ضرورة العمل بمفهوم جديد للحقوق والواجبات، عبر تحديد منطلقات وغايات كل منها، لأننا بتنا مواجهين لتضخم فاضح في المطالب، يقابله انحسار صريح في احترام الواجبات.
إن تاريخ وإنجازات الأمم يرتكزان على الاستثمار في البشر أولا، ليكون مؤهلا للإسهام في المخطط الإنمائي المنشود، ودون ذلك شبيه بحال من يسكب الماء في رمال صحراء قاحلة، فلا الأرض ارتوت، ولا هو صان تلك المادة الحيوية من الضياع. ومن في قلبه وعقله ذرة شك، عليه أن يستلهم من تجربة مكونات ما يعرف في عالم الاقتصاد بنمور شرق أسيا ( كوريا الجنوبية – تايوان – سنغافورة وهونغ كونغ ) الممتلكة لكافة سبل النجاح، تأسيا بالثنائي الياباني والصيني، أملا في تغيير خريطة العلاقات الدولية… فالسداسي المذكور صار مرجعية عالمية في إصرار مواطنيها وتحديهم وانضباطهم وانصهار جهدهم الجماعي لغاية إعلاء شأن البلد.
عكس هؤلاء، يبدو أننا صرنا أسرى لأنانية التفكير الأحادي والتفاعل مع كل مشروع مجتمعي بنظرة مفرطة في السوداوية ورمي المسؤولية على الآخر والتبرم من الاعتراف بالتقصير اتجاه الوطن. وحصيلة معوقات مثل هذه تعرفونها بكل تأكيد : مآسي لا تنتهي مغلفة بكل أشكال التخلف وضبابية الأفق.
رب قائل إن الشريطين المصورين المتداولين هذه الأيام في مواقع التواصل الاجتماعي ينمان على سلوك معزول لعينة من الأفراد غير المقدرين لدقة المرحلة وخطورتها، لكنهما في الوقت ذاته، بمثابة ناقوس خطر يفرض على السلطات التحلي بالصرامة القصوى وتحمل مسؤوليتها كاملة، اتجاه معاقبة كل من ظهر في اللقطات أو بارك تلك الأفعال الصبيانية، وإلا يستفحل الوضع وخرجت الأمور عن السيطرة . فآنذاك سنجد أنفسنا مشتتي التفكير والجهد بين واجب محاربة كورونا ومشتقاته، وفيروس أخطر : الجهل والتحلل من أية مسؤولية…لهؤلاء وأولئك نقول : من فضلكم ، لا تلعبوا بالنار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض