
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 88
إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
الأستاذ محمد بوحميد :
واحد من رجالات مدينة أسفي العريقة الذين استمتعت بمعرفتهم وتذوقت عبق جهادهم الثقافي .. بدأت حكايتي مع الأستاذ محمد بوحميد بمنزلنا بالمدينة العتيقة، حيث بدأنا معا ننسج خيوطها في شهر يوليوز 1981، كان هذا التاريخ بداية جديدة في حياتي العلمية بعد أن سجلت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط بحثا لنيل دبلوم الدراسات العليا اخترت له كعنوان: “الشعر الملحون في أسفي” تحت إشراف عميد الأدب المغربي أستاذنا الدكتور عباس الجراري أمد الله تعالى في عمره.. فكنت حريصا على أن أستفيد من السي محمد بوحميد حيث كان يجمعنا هم ثقافي مشترك هو البحث في الثقافة الشعبية. كنت أنا أشتغل على قصائد الملحون ، وهو ـ رحمه الله ـ كان قد بدأ يشق مساره العلمي في البحث في فن العيطة في المغرب.
وهكذا، كنت أجد فيه المخاطب المناسب في رحلتي مع بحث الدبلوم .. وهي محطة اتسمت بجداول من العطاء الخصيب، لأنها مكنتني من معرفة الشيء الكثير عن الثقافة الشعبية وآدابها ، وزودتني في الآن نفسه بمعلومات قيمة أخذتها من الأستاذ بوحميد رحمه الله.
وجه طيب بشوش، لا تجد صعوبة في لقائه والجلوس إليه. رجل بسيط ومتواضع، تشعر وكأنك تعرفه لسنوات مضت .. رجل جميل المعشر، منصت، مناقش مؤدب، محب للمعرفة، خدوم، تبادره بالسؤال فيكون الرد فوريا، بعيدا عن الاستعلاء والاستعصاء، عرفني بأريحية عن الجهود التي يبذلها للتعريف بفن العيطة في المغرب، وكانت الفرصة مهيأة لكي اكتشف فيه رجلا باحثا، غزير الاطلاع ، غيورا على التراث المغربي في شقيه المدرسي والشعبي، مخلصا للعلم، محبا للوطن، تبدى ذلك في حديثه العذب عن رموز الثقافة الشعبية في المغرب والرجال والأعلام. يتمتع بذاكرة قوية تسعفه في استحضار العناوين والآثار والأسماء.
لقد مكنتني هذه المحطة مع السي محمد بوحميد من تكوين رصين، ورغبة في مواصلة البحث في مجال الثقافة الشعبية. وبهذه الروح العلمي عرفت السي محمد بوحميد باحثا منقبا مجتهدا ، جعل من مسيرته الحياتية جهادا متواصلا لنظرة الثقافة المغربية من جهة، وخدمة تراثنا الشعبي والحفاظ عليه اصيلا يهبل بالتوهج من جهة ثانية.
إن كل من يذكر الأستاذ محمد بوحميد إلا ويذكره كأحد رموز الفن والثقافة بمدينة أسفي حيث كرس حياته للبحث في تراث العيطة، لكنه لم ينل حظه إعلاميا ، بل حتى داخل مدينة أسفي، لم ينل ـ رحمه الله ـ ما كان يستحقه، وهو الذي شكلت أبحاثه ودراساته في مجال العيطة المرجع الأساس للعديد من الباحثين في تاريخ هذا الفن بالمغرب. فقد كان له الفضل في فتح الباب على مصراعيه أمام العديد من الباحثين ممن ارتادوا مجال البحث في فن العيطة بالمغرب. فقد كان من المؤسسين للبحث في التراث الشعبي إذ يقول رحمه الله: “لقد اخترت مجال الثقافة الشعبية كي أساعد نفسي ومعي المغاربة على التعرف إلى أنفسهم من خلال تاريخهم الفني الشعبي.”
( يتبع ..)