سلايدرما وراء الخبر

حتى لا تتحول الأفراح إلى مآسي

محمد التويجر

كثيرون وجدوا أنفسهم في تائهين، حائرين، متخبطين في بحر التساؤلات، يحاولون الاهتداء إلى رابط منطقي بين الحيثيات التي قدمها رئيس الحكومة حين عرضه أمام البرلمان بغرفتيه مطلع الأسبوع لتبرير تمديد حالة الحجر الصحي لثلاثة أسابيع إضافية، وإعلان محمد بنشعبون وزير المالية والاقتصاد والإصلاح الإداري أمام مجلس المستشارين عن عودة عجلة المقاولات والمصانع إلى الدوران مباشرة بعد عيد الفطر .
مبعث الإشكال أن جهتي الدار البيضاء وطنجة المعروفتين بحركتهما الاقتصادية دخلتا منذ مدة في سباق محموم للتفرد بصدارة عدد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا، مغذيان وقود خوضه بتناسل البؤر المهنية في حيزها الترابي بشكل مفزع، بسبب تراخي بعض المقاولات والمؤسسات الصناعية المشتغلة بها في التقيد الصارم بالإجراءات الاحترازية والوقائية، التي يفترض أن تكفل لأربابها استئناف أنشطتهم وتدارك الخسائر المتمخضة عن الجائحة، وتسمح بالمقابل للمأجورين على حد سواء بالانكباب على عملهم، مرتاحي البال، مطمئنين على سلامتهم الصحية.
لا نريد أن تفسر إثارتنا لهذا الموضوع الحساس بأنها انتقاص وتقليل من قيمة عمل لجان المراقبة الإدارية، وهي المدركة قبل غيرها لخطورة البؤر ودورها الجوهري في تمكين لفيروس كوفيد 19 من مزيد انتشار، لكن منطلقنا في التعاطي مع الظاهرة لا يعدو أن يكون محاولة متواضعة ومسؤولة للفت الانتباه إلى بعض أوجه القصور التي تجعل الضيف الثقيل – فيروس كورونا – مصرا على البقاء بيننا لفترة أطول، مستفيدا من النواقص التي تعتري منظومتنا الاحترازية في شقها المرتبط بالمؤسسات الصناعية.
نعم لاستئناف الحياة الاقتصادية بالمغرب لأنها الكفيلة بوضع حد للنزيف المالي الخطير الذي تؤدي بلادنا ضريبته غاليا (حددها وزير القطاع في مليار درهم يوميا تضاف إليها خسارة ما بين 5 و 7 نقط من الناتج الداخلي الإجمالي، وتراجع الصادرات بنسبة 61.5 في المائة وتراجع تحويلات الجالية المغربية بمقدار الثلث)، والتخفيف من ثقل كلفة دعم الأسر المعوزة وتلك التي تأثرت مداخيلها بالوباء….لكن “لا” وألف “لا” للإقدام على هذه الخطوة الدقيقة، دون تشديد المراقبة، وسد الطريق على المؤسسات الصناعية التي سجل عليها في الفترة الفائتة تراخ جلي في اعتماد البروتوكولات الصحية الضرورية، مع إعطاء الأولوية للأنشطة ذات الصلة بتلبية حاجيات السوق المحلية الملحة، في ظل أن حركة التصدير عبر العالم شبه مشلولة، وحتى الدول الموجهة إليها السلع المصنعة بالمغرب منشغلة باستجلاء أنجع السبل للتخلص من شراك كوفيد 19 بأقل الأضرار (البشرية في المقام الأول).
يضاف إلى هذه الحزمة من الإجراءات الهامة، الحرص المسؤول على توفير اللوجستيك الضروري لتمكين العمال من التنقل بين مقرات سكنهم ومكان الاشتغال في ظروف آمنة، تجنبا لتعدد بؤره واتساع قاعدة المصابين به وكذا مخالطيهم
….واعون بأن أعتد الدول وأقواها اقتصاديا أنزلت أيديها مستسلمة في زمن كورونا، ومدركون لثقل فاتورة الوباء على اقتصادياتنا التي تحاول جاهدة التأقلم مع السوق ومتغيراتها، ومنشغلون أيضا بمستقبل بلادنا إذا لم تكن خطوة استئناف الحركة الاقتصادية لنشاطها محسوبة المراحل، محسومة العواقب، لأن التسرع سيكلفنا خسائر أفدح تتجاوز الاقتصاد وتفرعاته لتمس أمن الوطن والسلامة الصحية لسكانه، الذين يعتبرون منطلق ومنتهى كل السياسات.
تفعيل المراقبة الصارمة، وعدم التمييز في إعمال المقاربة، واستحضار التضحيات الجسام التي قدمها المغرب ومواطنوه قاطبة، منذ اندلاع أزمة كورونا، ثلاثة أثافي ترتكز عليها الانتعاشة الاقتصادية المنشودة، ودونها نفخ على النار لمزيد اشتعال، في اتجاه إحراق الأخضر واليابس.
نتذكر أن رئيس الحكومة استشهد أمام نواب ومستشاري الأمة بمثلين مغربيين حاملين لدلالة كبيرة ” 100 تخميمة وتخميمة ولا ضربة بالمقص”، و” ما تقول قطعتي الواد حتى يبانو حجارو” لتبرير تمديد الحجر الصحي، وأعتقد أن الرجل محتاج إلى استحضارهما في كل وقت وحين، وهو يقدم رفقة أعضاء الهيئة التنفيذية على خطوة فتح أبواب المقاولات الصناعية، مباشرة بعد عيد الفطر، حتى لا تتحول أفراحنا إلى مآسي وأتراح….

فاللهم اشهد، إني قد بلغت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر + ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض