
الحجر المنزلي و قوانين العقل الباطن السالبة – 1 – قانون المرآة
عبد اللطيف محمد علي أفلا
العقل الباطن، خزان السلوك والعادات والانفعال وردود الفعل وقوانين الحياة.
هذا العقل لا يعي الأشياء ولا يعي أحكامه ولا قوانين، قوانينه يوجهها حسب مشيئة وفكر وإدراك العقل الواعي طوعا أو كرها، قصدا أو عن غير قصد.
وتبقى المعرفة المحركة للإدراك، هي مولدة التغيير المطلق والمعدل لبعض قوانين العقل اللاواعي السلبية، ونذكر هنا ثلاثة من أشد النواقص خطرا على القيمة الاجتماعية والتفوق، كما سنبين تجلياتها بالحجر من كورونا فايروس بمرجعية علمية نفسية صحيحة.
قانون المرآة
لهذا القانون كثير من أوصاف العيوب الإنسانية، وهكذا قد يقابله الشح والبخل والأنانية والقسوة والوحدة والانعزال، حب التملك وحب الذات، ومن يعتمد هذا القانون لا يرى أحدا غيره، لأن المرآة تريه نفسه فقط.
هذا الشخص يكون قاسيا لا يرحم، يخدم مصالحه هو ، ويدوس على كل من يعترض طريقه حتى وإن كان بينه آصرة قرابة، بل حتى الأبوين والإخوة.
كما يجعل صاحبه بعيدا عن الأحبة وقليل الأصدقاء إلا شركاء وزملاء العمل. المصلحة هي رابطه بهم، لأن قانون المرآة يتعارض مع قانون العطاء.
أغلب هؤلاء الناس لهم فكر واحد وفلسفة مشابهة، وخاصة إن كانوا أرباب عمل.
وإذا سألت معظمهم سيقولون:
لا تتعاطف مع أحد، ولا تتصدق على أحد، لا تنخدع بالمتسولين والسائلين، كل أولئك محتالون يستغلون طيبتك!
كي تكون لك ثروة، وتصبح أنت المشغل الآمر، عليك أن تكون صلبا أنانيا! لا تتودد لأحد!
اعمل لنفسك فقط، أنت قبل إخوتك، أنت قبل العالم.
جميع سجناء قانون المرآة تجاهلوا الوحي، ونسوا أنهم آيات وأحاديث.
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا النساء 37
وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الحشر 9
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ المائدة 2
لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ آل عمران 92
نسبة كبيرة من أرباب العمل بنظام تمثيلهم البصري، وشخصيتهم القيادية، لا يتأثرون بمحن ومعاناة الناس بدءا بعمالهم، من تنتهي مهمته يدوسون عليه بسهولة مطلقة.
وإذا ما بحثنا في تجليات هذا القانون في تداعيات هاته الجائحة، فلنا أن نسترجع التسابق والاقبال الشديد على المنتوجات الاستهلاكية بل حتى على الكمامات وذلك بما يكفي ويزيد لمؤونة أشهر، ومن قاموا بذلك بدافع البقاء حركهم قانون المرآة أيضا.. أي فكروا شيئا ما في أنفسهم فقط.
عزيزي القارئ، الدين والعلم والفلسفة والحكمة كلها تهشم المرآة بقانونها ذاك، وتفتح لك بقانون العطاء أفقا رحبا ترى نفسك فيه محاطا بكل العالم.
لا تخلط بين الاحتياجات الأساسية للانسان –البقاء والأمان والانجاز-، وفرق بين الخير والأنانية.
قدوتك وأسوته أيها الإنسان هي إيثار الأنبياء ورحمة الأخيار وعون الأحبة.
إياك وقانون المرآة، وسع طريقك! ساعد من حولك! مد يدك للغرقى، واحي طموحات محبطة وآمالا موؤودة. واعلم انك اذا أعطيت، حتما ستأخذ، وستأخذ الكثير هنا وهناك.
واعلم كذلك إن خبرت بضيق حال جارك ومحنته، وكان في وسعك التخفيف عنه فلم تفعل، فتيقن انك قد دونت نفسك في اللائحة السوداء يوم الحساب.
“وبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا” النساء 36.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ فَلَمْ يَنْصُرْهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ ، وَمَنْ أَكَلَ بِمُؤْمِنٍ أَكْلَةً أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِثْلَهَا مِنْ طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ ، وَمَنْ لَبِسَ بِمُؤْمِنٍ لُبْسَةً أَلْبَسَهُ اللَّهُ مِثْلَهَا مِنْ لِبَاسِ أَهْلِ النَّار”ِ .
هذا القانون تجد محرك الإنسان في جميع الحقول المهنية و ليس في الأعمال فقط، بل كذلك في الفن والرياضة والكتابة والسياسة والإعلام ما يعني أنه دافع قوي لكل شخص نراه ناجحا ماديا (شكلا) اليوم، إلا قلة قليلة من الأخيار. وهذا سر تعاسته رغم النجاح والثروة.