سلايدرمعارف تربوية

الحجر المنزلي و قوانين العقل الباطن السالبة – 2 – قانون التعود

عبد اللطيف محمد علي أفلا
العقل الباطن، خزان السلوك والعادات والانفعال وردود الفعل وقوانين الحياة.
هذا العقل لا يعي الأشياء ولا يعي أحكامه ولا قوانين، قوانينه يوجهها حسب مشيئة وفكر وإدراك العقل الواعي طوعا أو كرها، قصدا أو عن غير قصد.
وتبقى المعرفة المحركة للإدراك، هي مولدة التغيير المطلق والمعدل لبعض قوانين العقل اللاواعي السلبية، ونذكر هنا ثلاثة من أشد النواقص خطرا على القيمة الاجتماعية والتفوق، كما سنبين تجلياتها بالحجر من كورونا فايروس بمرجعية علمية نفسية صحيحة.
قانون التعود

من سلبيات العقل الباطن، هاته النقيصة الثانية، قانون التعود، هذا الويل يسلبك متابعة روعة الأشياء والأشخاص. لأنه يخفي من إدراكك كل القوانين الأولى والجميلة التي ساقتك لتحقيق الهدف، الهدف الذي انتهى بمجرد تحقيقه وأصبح عاديا بعدما كان طموحا وقيمة جوهرية يوما ما.
كثيرا ما نسبت أسرار الانتحار إلى غياب المعنى كحاجة من الحاجات الأساسية للإنسان وفق هرم العالم النفسي الامريكي، أبراهام ماسلو، ووفق الاحتياجات العشرة التي صنفها المرحوم الدكتور إبراهيم الفقي، هذا طبعا إلى انعدام القيمة الروحية، لكن الحقيقة العلمية العقلية هي قانون التعود كسبب ضمن الأسباب الرئيسية للانتحار، بل سببه الأول لأن المنتحر لم يعد يتذوق لذة الثراء والنعم التي حصل عليها، لأنه ألفها فأصبحت تبدو بديهية بالنسبة إليه رغم أنها لا تزال تحتفظ بميزتها وعطاءها.
السؤال:
لماذا لم ينتحر فرعون؟
لماذا لم ينتحر الملاحدة؟
ولماذا هناك نسبة كبيرة من أشخاص بلا قيمة روحية، وهم (سعداء)؟
طبعا انعدام الجانب التعبدي كقاعدة رئيسة لباقي الاحتياجات يبعثر اتزان الإنسان بأسوء حال، لكن ليس هو من يقوده للانتحار بشكل مباشر، ولكن فقدان المعنى الذي يولده قانون التعود أمام غياب التجديد، وتفادي روتينية الحياة المولدة للملل وأسوء الانتكاسات النفسية التي كثيرا ما تصيب العقل بالحمق.
حتى الإيمان يستوجب التجديد والتدبر، بل وحتى تجديد الوضوء.
ألم يسأم –استوحش- أبونا آدم عليه السلام وهو في الجنة، لأنه تعود على نعيمه هناك دون تجديد حتى فقد المعنى.!؟
ولأجل تخطي قانون التعود خلق الله تعالى له من ضلعه الأيسر حواء كي تجدد حياته وتعطيه معنى لوجوده.
الجنة التي وُعد المتقون، ونتمنى الله أن يجعلنا من أهلها جميعا ان شاء الله جميعا.
ورغم منتهى نعيمها، اليوم الموالي فيها أجمل من اليوم الذي يمضي، وهكذا أفضلية كل يوم عن اليوم المنتهي.
في حياتنا الدنيا نعلم بكثير من الأثرياء المؤمنين الذي سئموا حياتهم وانتحلوا صفة الفقراء ليعيشوا نوعا آخر من العيش، كتجديد لنشاطاتهم، التي ألفوها فأتعستهم.
سؤال آخر:
لماذا يكره الإنسان السجن حتى لو كان فخما ودون عقوبات بدنية؟
الذي يجهل آلام الإقامة الجبرية، لا يعرف الفرق بين الإقامة في البيت والإقامة في المعتقل.
أشد آلام الحبس ليس تقييد الحرية ولكن، هو ضغط قانون التعود على السجناء، لأن يومياتهم تكون أشد روتينية ورتابة، وبنفس الوجوه، ما يجعل العديد يقدم على الانتحار، أو يُجن. ينضاف لذلك ضيق المكان بزمانه ومادته وطاقاته.
أشد عواقب السجن هي قانون التعود والذي لا يمكنك إزالته أبدا بين القضبان إلا بالتصور الإبداعي.. لكن بطول المدة، يطال قانون التعود حتى التخيل الابتكاري فيجعله غير مجد، وهو ما نلامسه في العنف الأسري ومزاجية نفسية الأطفال مؤخرا بسبب الحجر المنزلي الذي فرضه كورونا فايروس على البشرية كلها.
إذا عدت للماضي، ستتذكر كيف كان يحركك الطموح والحب لتحقيق مسعى من المساعي، كصديق أو زوجة أو سيارة أو هاتف ذكي..
تحقق ذاك المسعى، وعندما تألف الشيء الذي حصلت عليه، يدخل في بديهياتك، في تلقائياتك، فيصبح عاديا بلا قيمة، حتى لو كان دائما يقدم نفس الخدمات الأولى.
يصبح الصديق عاديا رغم الصدق والتعاون والتكافل والحب والخير..
تصبح الزوجة عادية رغم صلاحها وجمالها وتضحياتها..
تصبح السيارة بلا قيمة رغم أنك اشتريتها جديدة، وكنت أول من استعملها..
يصبح هاتفك عاديا رغم استمرار أدائه لجل المهام والتطبيقات…
والأسوء بعد هذا، والذي يسبب توقف العلاقة الإنسانية أو توترها، هو آخر تجربة، كتحدي أو جدال بسيط، وكون العقل البشري يبني على آخر تجربة، ويعمم ويلغي، فقد وجد له دعما بقانون التعود، فإنك تقطع العلاقة، وتهجر أصدقاء الماضي وحتى الزوجة بالطلاق. وتوا بعد ذلك، تجد الإنسان الضحية يلتقي أول امرأة فيحبها ويفضلها تفضيلا على الزوجة الأولى، رغم أنها لا تساويها في الحسن ولا في الحياء، ولا في قيمتها التعبدية والاجتماعية والأسرية.
وإذا بحثت في المتاجر الراقية، أو على المواقع الالكترونية للساعات الفاخرة، ستجد أن سعر ساعة واحدة قد يتعدى مليوني دولار، وإذا فكرت ستدرك بأن تلك الساعة مهما كانت، فإنها لن تبلغ رمزية عملية جراحية على الدماغ البشري، ولن تساوي إنقاذ أرواح، ولا إحلال سلام، ومهما يُسوق لها، وحتى لو كانت كلها ماسة زرقاء، فلن تبلغ ذاك السعر، ولكن الحقيقة غايتها هي مكافحة قانون التعود لدى أثرياء العالم، الذين استمتعوا بكل أشياء الأرض، وكل ملذاته المباحة والمحرمة، والهدف تعلقهم بشيء جديد يعيد إليهم احتياجهم للمعنى، فيدركون أنهم وحدهم من يقدرون على اقتنائها.
ومن سر العنف الأسري الذي تم تسجيله عبر العالم بالحجر المنزلي، هو قانون التعود، لأن أفراد الاسرة تولد لدي الممل من تعودهم على البيت، أي نفس المكان بطاقته، ونفس الشيء أحدث انتكاسات نفسية لدى الأطفال، لأنهم تعودوا على كل شيء، البرامج الألعاب المزح مع الوالدين، لكن قانون التعود سيطر على مكان واحد وهو البيت وأثر بشكل سلبي على نفسياتهم كما بالنسبة للإنسانية مؤخرا، لذلك تجد من يحاول كسر هذا القانون بالخروج خلسة لشوارع المدينة أو لزيارة أحد الأقارب رغم حضر التجوال، سعيا لتجديد الأشياء والأشخاص والأماكن.
عزيزي الإنسان الآن تعرفت على هذا القانون، فاحذره وتفاداه بتجديد كل نشاطات حياتك، حتى إيمانك عليك تجديده، حتى وضوءك عليك تجديده، وتذكر واستحضر دائما ايجابيات الأشخاص والأشياء!
تذكر سعيك وأملك وحلمك الأول لتحقيق مسعاك، وكيف أن جميع مرشحات جهازك العصبي الخمسة، كانت تدعمك بالعاطفة والتحليل والمنطق.

الحجر المنزلي وقوانين العقل الباطن السالبة -3- قانون النية المتناقصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض