
قيمة القراءة في رمضان : ثلاثة أسئلة للكاتب والجامعي رشيد الإدريسي
القراءة هي أفضل وسلية للتعلم وتنمية الذات واكتساب معارف جديدة، وهو ما يمكن من التغلب على مختلف التحديات والإكراهات.
وتزداد أهمية القراءة في شهر رمضان، ( قراءة القرآن ، كتب ، مجلات ، مقالات ، صحف إلخ )، حيث جرت العادة على اغتنام أجواء هذا الشهر الفضيل من أجل التسلح بمعارف جديدة.
هذا الوعي بمزايا القراءة ليس وليد اليوم ، فقد جاء في كتاب الله عز وجل ” اق ر أ و ر ب ك ال أ ك ر م ال ذ ي ع ل م ب ال ق ل م ع ل م ال إ نس ان م ا ل م ي ع ل م ” [ العلق : 3 – 5 ]، كما أن تمجيد القراءة لم يتوقف يوما ما .
الجامعي والناقد المغربي رشيد الإدريسي يكشف في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء عن أوجه أخرى للقراءة .
1 # هل يزداد فعلا منسوب القراءة في رمضان ؟
// القراءة هي بمثابة تقليد يستقر لدى الشخص بفعل التكرار اليومي، وهي في حالات تكون نتيجة التربية منذ السنوات الأولى بحيث يمكن أن نتحدث هنا، على غرار علماء الاجتماع، عن إعادة الإنتاج الذي تتولاه الأسرة أو قد تتولاه المدرسة في حالة المجتمع الذي تطغى عليه الأمية بأشكالها المختلفة، وقد تستقر عادة القراءة في مراحل أخرى من العمر نتيجة الوعي بقيمتها.
ولذلك ففي فترة رمضان أو فترات أخرى، لكي يتم رفع منسوب القراءة يلزم أن تكون القراءة متجذرة أصلا لدى الشخص المعني بالأمر، أي بمعنى آخر يلزم أن تكون لدى الشخص عادات وطقوس وتقاليد في القراءة اعتاد عليها منذ سنوات.
يمكننا القول بتعبير آخر إن القراءة مسار ورمضان هو حلقة من حلقاته، وهو مشجع على القراءة ولكنه مع ذلك لا يغير جذريا من عادات الشخص، بحيث عندما يخرج رمضان لا ينبغي أن نجد أنفسنا إزاء شخص مختلف عما كان عليه على مستوى الإقبال على القراءة.
2 # هل يمكن الحديث عن زمن مثالي للقراءة في رمضان ؟
// لا شك أن من أهم خصائص شهر رمضان هو تغيير برنامجنا اليومي بما في ذلك اليقظة والنوم وتوقيت وجبات الأكل وغيرها مما يرتبط بذلك من قبيل الالتحاق بالمنزل أو الخروج منه ووتيرة الالتقاء بالآخرين… ويمكننا أن نقول بأن رمضان يخرجنا من الرتابة التي نعتاد عليها طوال السنة، ولذلك القول بأن رمضان مثالي للقراءة صحيح، لكن مع استحضار ما قلناه أعلاه من كون القراءة يجب أن تكون متجذرة في الشخص مسبقا.
رمضان زمن مثالي للقراءة، هذا مما لا شك فيه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أي نوع من القراءات نتحدث عنه؟ هل هو القراءات الدينية التعبدية أم قراءة الصحف والمجلات التي بدأت في الانقراض أم قراءة الكتب؟ وما نوعية هذه الكتب هل هي فكرية فلسفية أم أدبية أم علمية أم دينية؟ وهل تتم على دعامات ورقية أم رقمية؟ وإلى أي حد يستطيع القارئ الذي يعتمد الوسائل الرقمية الصمود ومتابعة القراءة بدل الإبحار في الشبكة والوقوع ضحية إضاعة الوقت في الانتقال من صورة إلى أخرى ومن شريط سمعي بصري إلى آخر إلى أن يقتل وقته كاملا في ما لا يعود بالنفع، خاصة إذا ما استحضرنا أن الأنترنيت تغلب عليه التفاهة التي لها تقنياتها لشد القارئ وتوريطه من أجل الاستهلاك والربح .
رمضان مثالي إذن، مع الأخذ بعين الاعتبار لهذه الأبعاد، لأنه يغير زمننا، ولأنه يتيح لنا فرصة الاستفادة من الوقت المتاح، ولأنه يمنعنا طيلة اليوم من الأكل الذي يكون في الكثير من الحالات سببا في الالتقاء بالآخرين، ففي هذه الحالة يفضل الكثير من الأشخاص الالتقاء بالكتاب الذي يمكن أن يساعد على عدم الإحساس ببطء الزمن .
3 # ما نوعية الكتب التي تقراها شخصيا خلال رمضان ؟
شخصيا وبصفتي أستاذا جامعيا باحثا، فأنا مطالب بأن أقرأ دوما ودون انقطاع، لأن الأستاذ الباحث الذي يتوقف عن القراءة تفقد تسميته معناها الحقيقي، وتصبح مجرد شعار فارغ.
بالإضافة إلى ذلك الأستاذ الباحث مطالب بأن ينجز أبحاثا، والأبحاث لكي لا تكون مكررة وذات عمق، يلزم تجديد الأدوات والمفاهيم والمعلومات، وهذا ما لا يتحقق إلا بالقراءة الدائمة، لذلك أنا لدي شعار أردده دائما، وانتهيت إليه من خلال التجربة وهو : “اقرأ أكثر مما تكتب لتكتب أفضل مما تقرأ”.
وبحكم تخصصي في اللغة العربية وآدابها، فإن نوعية الكتب التي أقرأها في رمضان تحديدا هي الكتب الأدبية بما في ذلك النقد والإبداع بمختلف أشكاله، وهذه السنة خصصتها لقراءة وإعادة بعض روايات الكاتب النرويجي كنوت هامسن، والذي كنت اكتشفت روايته “الجوع” وأنا في مرحلة الشباب.
فرمضان فرصة للعودة إلى كاتب شد انتباهي في مرحلة من المراحل وقراءة أعماله بعين مختلفة، عين ناضجة بفعل المقارنات التي يصبح الواحد ممتلكا لها بحكم التراكم