
دور السياحة الداخلية في تعافي القطاع من آثار كورونا
محمد التويجر
عكس الإصابات البشرية التي يستلزم علاجها أسبوعان موصولان من الخضوع للبرتوكول العلاجي المعتمد، تأثيرات فيروس كورونا على الجانب الاقتصادي أشد عمقا وأضرارا، لأن استعادة الإيقاع الطبيعي تتطلب سنوات من التضحيات والتصورات والمقترحات التي تروم تضميد الجراح وتعويض الخسائر المرتبطة بالجائحة المذكورة .
آثار كورونا ظهرت جلية على السياحة المغربية، بالنظر إلى ارتباطها بالسوق العالمية التي سقطت في شراك هذا العدو غير المرئي الذي فرض سطوته وكلمته على المعمور أجمع، مصيبا قطاعاته الحيوية بما يشبه الشلل.
…ونحن نتحسس طريقنا لمغادرة النفق المظلم، طبيعي أن نفتح أعيننا على حجم “الدمار” الذي مس الكثير من القطاعات الاقتصادية، يتقدمها المجال السياحي الذي أدى غاليا ضريبة تراجع عدد الوافدين وليالي المبيت بـنسبة قاربت 70% جراء إغلاق معظم المؤسسات السياحية ( 3465 مؤسسة، من أصل 3989).
وقبل استقراء مزيد معطيات، نذكر أن بلادنا أثارت في العام الماضي اهتمام 13 مليون سائح، حلوا بربوعه للاستمتاع بمكنونات الفضاءات الطبيعية الخلابة التي يميزها التنوع والتداخل بين البحري والجبلي والصحراوي، علاوة على ما تحفل به من عبق التاريخ وتجليات الرأسمال اللامادي، موفرين لخزينة الدولة مداخيل بقيمة 78 مليار درهم.
وفي انتظار الإحصائيات الرسمية، يقدر ذوو الاختصاص خسائر السياحة المغربية جراء الجائحة بحوالي 90 %، علاوة على تضرر نحو 75 % من العاملين بالقطاع. وأكبر المتفائلين منهم يحدد فترة إعادة البناء واستعادة التوازن المفقود في ثمان سنوات، بخاصة وأنها ظلت لسنوات معتمدة بالأساس على السوق الأوروبية ، ولم تشرع في اعتماد تنويع أسواقها إلا أخيرا (الصين نموذج)
وما يزيد وثيرة استعادة التوازن بطئا، كون المحيط العالمي عموما، والأوروبي خصوصا سيمر لزاما بعد زمن الكورونا من حالة انكماش وإحصاء الخسائر، ولن يكون بمقدور الكثيرين من الزبائن المحتملين تسريع الانفتاح على الخارج، بحكم أن للأمر صلة باضطراب حركة الطيران وظروف العزل والتباعد، وتكالب كورونا مع مخلفات آثار الأزمة الاقتصادية التي ضربت القارة العجوز أساسا منذ ثمان سنوات .
لهذا الطرح صدقيته ومشروعيته، وينسجم مع واقع تراجع عائدات السياحة عبر العالم بناقص 450 مليار دولار، وتعريض 75 مليون من المشتغلين في القطاع إلى العطالة الجزئية أو الكلية، بمعدل يومي يلامس- منذ تفشي الوباء- مليون منصب شغل.
أمام ظرفية وخسائر مثل هذه، سيراهن قطاع السياحة المغربية بكل تأكيد على اعتماد عودة ميزتها الحذر والتدرج، عبر حزمة إجراءات مدعومة بتدخل حكومي مباشر للتخفيف من الأضرار التي لحقت القطاع، تتمثل أساسا في تأجيل الديون ومساهمات الشركات في الحماية الاجتماعية، وطرح قروض جديدة بشروط تفضيلية، مع التوجه من جديد إلى تشجيع مواطني الداخل على اكتشاف ما يقدمه القطاع من عروض متنوعة، بأسعار في المتناول، وتحسيسهم بأن بلادهم زاخرة هي الأخرى بذات المغريات التي يتجشمون عناء البحث عنها في إسبانيا الجارة.
ومع ذلك، لن يستقيم وضع القطاع إلا إذا كانت استراتيجية التقويم مصحوبة بانخراط جدي ومسؤول للفاعلين فيه، الذين كثيرا ما يعاب على بعضهم في السابق تجاهلهم السوق الداخلية، والمبالغة في رفع أسعار الخدمات، مركزين على الوافد الأجنبي دون سواه ، لاعتقادهم خطأ أنه ينفق بسخاء .
حتى المراهنة على السوق الداخلية تبقى محفوفة بالمخاطر، وتعتريها شكوك كثيرة في ظل انخفاض القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة التي يعول عليها كثيرا لتحريك أوصال آلة متكلسة جراء ما حدث.
إن الظرفية الحالية تستلزم ضرورة تهيئ مخطط متكامل لإنعاش القطاع واسترجاع العافية. مع إيلاء السياحة الداخلية عناية خاصة، في انتظار تحسن أوضاعها، مع مواكبة المقاولات المتضررة من ركود قطاع حقق العام الفائت نسبة نمو قاربت 5 %، لكنه ضحية اليوم لوضع مختل، في ظل أن 80 % من مكونات القطاع متوقف
جربنا في السابق عروضا عدة ، أبرزها منتوج “كنوز بلادي”، لكن التجربة اعترتها مجموعة من الاختلالات التي يجب تداركها في المرحلة القادمة، عبر اعتماد منطق “رابح – رابح”، والعمل على أن تعم الاستفادة عارضي الخدمة وكذا الشريحة المستفيدة، وتكييف المنتوج حتى يكون مستجيبا لانتظارات الأخيرة، والمراهنة عليها مستقبلا حتى تصبح زبونا إضافيا منتظما في الإقبال على استهلاك العروض المقدمة، وعدم النظر إليها من زاوية أنها عجلة احتياطية، يتم التخلص منها بمجرد ما يسترجع القطاع عافيته .
بالمقابل، على المستهلك أن يكف على مجموعة من السلوكات غير المشرفة المرتكزة على تجاهل الضوابط ورفض الالتزام بها. وقد وقفنا مرارا على مواقف تثير التقزز، حيث تلمس لدى البعض حقدا دفينا، ورغبة في إلحاق الضرر بمرافق الفنادق والقرى السياحية، وتعمد تبذير ما يصادفه بمطاعمها. ناسيا أنه يساهم بسلوكه هذا في إضعاف القطاع، مروجا من حيث لا يشعر لصورة سلبية لدى الزوار الأجانب.
لنعتبر قطاع السياحة وباقي القطاعات ورشا يستوجب تفاعلا إيجابيا مع استراتيجية علاجه بحس وطني جماعي، بعيدا عن المواقف الفردانية، ولنجعل منه رافعة أساسية من رافعات الاقتصاد المواطن الذي يستشرف الآفاق الخارجية دون أن يتجاهل أبناء الداخل، مستحضرين أن الأزمات محتملة في كل وقت وحين، ولا يمكن مجابهتها بالقوة اللازمة إلا بمزيد انضباط واستشعار لقيمة المواطن ودوره المحوري في أية خطة إنمائية
قديما قال العرب ” ما حك جلدك مثل ظفرك “، ولا بأس إذا أضفنا إلى هذا المثل المأثور شقا ثانيا حتى يكون منسجما وظرفيتنا الحالية ليصبح ” ما حك جلدك مثل ظفرك، شريطة ألا يكون هذا الظفر مصابا بتلف، عاجزا عن الاضطلاع بمهمته على الوجه المطلوب.
يجب أن نؤمن بأن مغرب ما بعد كورونا مختلف تماما عما قبلها، وأن المواطن معادلة أساسية في إنجاح الأوراش المستقبلية لترميم الشقوق التي تركتها الجائحة ظاهرة جلية، ومن ثمة تحقيق الانطلاقة المنشودة بمساهمة جميع مكونات البلاد، مستحضرين دروس الملحمة التي صنعناها ونحن نتفاعل مع مستجدات الوباء وتبعاته .
خلاصة القول : السياحة الداخلية رافد أساسي لاستعادة التوزان، والمؤمل أن يتحول هذا الطرح إلى معتقد راسخ بدل إبقائه مناسباتيا، نرمي به في سلة المهملات بمجرد قضاء حوائجنا، وكأنه كمامة واقية من العدوى ليس إلا.