فن الملحون

فن الملحون، ذاكرة شعبية وشاهد تاريخي على ثورة الملك والشعب -الحلقة الأولى

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي ـ أسفي

لا يخفى على أحد أن فن الملحون في المغرب ، يعكس العديد من أوحه الحياة الشعبية بكل تفاصيلها باعتباره ذاكرة بواسطتها تحفظ خصوصيات الشعب وتخلد تاريخه ، حيث تكمن أهميته في الحفاظ على الهوية والأصالة المغربية ، وكذا في مواكبته للحياة من خلال تفاعله مع الواقع .. مما يكشف عن دوره ومكانته في ترسيخ الهوية الوطنية .
لقد احتوى فن الملحون في المغرب قضايا وطنية متعددة ، تتصل بالوطن وتلقي بالضوء على كثير من الجوانب الاجتماعية والوطنية ، مرة بالتصريح وأخرى بالرمز والتلميح .. مما يوضح أن شاعر الملحون مواطن مناضل وملتزم بقضايا بلاده ، يفصح عنها ويبدي رأيه فيها دون خوف أو خجل ، وذلك تبعا لما يفرضه الدين من واجب الجهر بالحق والتصدي لمقاومة أعداء الله والوطن .
ومعلوم أن قصيدة الملحون ، لم تكن أبدا منفصلة عن قضايا الوطن الحيوية ومشكلاته السياسية والاجتماعية . فالشعر الصادق ـ مهما كان تعبيرا ذاتيا عن صاحبه ـ إنما يمس من قريب أو بعيد ظروف الحياة التي تعيشها الجماعة ، سواء أكان الشاعر نفسه على وعي بهذه الحقيقة أم لم يكن . فكل مجتمع كان وما يزال ، له قضاياه المحلية الخاصة .. والمغرب كسائر دول العالم ، عرف في بعض مراحله التاريخية تطورات مهمة اضطرته إلى أن يأخذ منها موقفا معينا ، ويدافع عن نفسه ويكافح ضد القوى الزاحفة عليه .
ولقد قام أبناء المغرب بدورهم كاملا في الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي ، واتخذ كفاحهم في غير قليل من الأحيان أشكالا متعددة ، منها الجهاد المسلح أو قيام الحركات السياسية المناضلة ، أو الكلمة الهادفة المعبرة والقادرة على التأثير في المتلقي .
وهكذا ، فإذا كان الشعر المدرسي قد عبر بكل تلقائية عن الواقع المغربي المعيش في مختلف تطوراته   فلا بد أن نسجل أن الشعر الملحون لم يخرج عن هذه القاعدة ، وانبرى شعراؤه للتعبير بكل صـــــدق  وأمانة  عن هذا الواقع . وهذا الشعر كان أبدا يرفد مجالات القول ، سواء على صعيد الذات الفردية أو الجماعية . لذلك ، قام شعراء الملحون بدور طلائعي في إذكاء روح الجهاد والمقاومة ضد من تسلطوا على وطنهم وتطاولوا على مقدساته ، على الرغم من المضايقات التي كان يتعرض لها هؤلاء الشعراء وغيرهم من شرفاء هذا الوطن .
لذلك ، يمكن القول بأن الشعر الوطني ـ في نطاق قصيدة الملحون ـ قد انبعث من صدور هؤلاء الشعراء ليشهد على مأساة تاريخية ، وليدين الاستعمار في الوقت ذاته . وهو إلى جانب ذلك ، يؤكد على منازلة العدو ومقارعته وعدم التهيب منه ، رغم انعدام إمكانيات آليات  المقاومة والتصدي لذلك العدو ، مما يجعله أحيانا يفوض الأمر لله تعالى ، فهو الرقيب والمغيث والقادر على إلحاق الخسارة بالمستعمر الغاشم . يقول الشيخ الحاج الصديق الأسفي :
يا رب نرجاك يا إلاه الغنــــــي             ونت الكريم ونت صاحب لفادا
ونت ارقيب نعم لهدى النوراني             ونت صرخت المغيث اللي نادا
تاخذ حقي في اخسرين اوطانـــي            تجعل نـار ربي فيهــم وقــــــادا
لذا ، لم يكن شاعر الملحون لينسى وطنه ويتخلى عن التمسك بقضاياه ، فغدا مشغول البال  كثير التفكير في مصيره ، خاصة بعد أن داهم المستعمر الغاشم بلاده وتسلط عليها . يقول :
مالك يا ورشان كل ساج مفتون            اتنوح من ابكاك أتقوي تشغابي
أنتيا تبكي أعلى الحمام مشطون           ونا أعلى اوطاني نرثي باهدابي
ولعل قراءة سريعة للقصائد الوطنية في الشعر الملحون ، تؤكد مدى إخلاص ووفاء شعراء الكريحة لوطنهم وحبهم له والتفاني في الدفاع عن مقوماته الثابتة . وإلى هذا يشير شيخ الملحون بأسفي محمد بن عبد السلام الرباطي متحدثا عن راية الوطن ، راية النصر ، إذ من خلال وصف العلم المغربي ، يبدو الوطن حبيبا  حرا جميلا بهيا . يقول :
يا بدر انبا من لحجاب                      يا طلوع الزهرا يا راية النصــر لحبيبا
عجـــلي بـوصـال المحبــــوب
ما حبك عني غــــــلاب                   ما حب احبيبك مغلوب دون ريب اغليبا
واجــب الطاعة للمغــلــــــوب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرين + 12 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض