ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 21

 إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

  لقد نال هؤلاء الرجال من ثقافة عصرهم ما أهلهم فعلا لحمل المشعل وأداء الرسالة، وذلك على الرغم من الظروف القاسية التي مروا منها.. ومع ذلك نهضوا بمجتمعهم متجاوزين واقعهم المرير وما كان يعرفه من تحديات حالت دون تحقيق طموحاتهم.
لقد استبد بهم الطموح العلمي والوطني، فراحوا يبحثون وينقبون ويكشفون لاقتناء الحقائق وإدراك ما تختزنه الوثائق  والمخطوطات والكتب من خبايا وأسرار، بغية أن يفيدوا بها متلقيهم في المساجد أو الزوايا أو المدارس أو الراغبين في اكتساب ما ينمي ثقافتهم ويكملها في مختلف أبعادها. وللأسف، فإن معظم تراث هؤلاء الرجال، إن لم يكن كله قد ضاع، وعدت عليه عوادي الزمان، فإن ما تبقى منه ما يزال حبيس الرفوف، تفعل فيه الأرضة ما تشاء.. فهلا استفاقت بعض الأسر لإخراج ما لديها من دفائن لترى النور، ويستفيد منها طلبة العلم، عساها تؤمن لهم القيم النبيلة، حتى لا يعيشوا أزمة قيم..
    
إننا من خلال هذه الإطلالة السريعة على أسماء هؤلاء الرجال ممن في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، نلاحظ التزامهم الإسلامي خلقا وسلوكا، كما التزموه أسلوب عمل ومنهج حياة جهودهم لخدمة دينهم ووطنهم وأمتهم.. ولعلنا ونحن نتتبع هؤلاء الرجال، لاحظنا أيضا ما كان يميزهم عن غيرهم من حسن المعشر، والرؤية المستنيرة وتميز الفكر، وسعة الأفق ، وثبات المبدأ، والعطاء المتنوع، وروح الاعتدال والتسامح والوقار، والفضل والصلاح والإحسان إلى الناس.. لذلك،كان الذي تركوه في الناس طيبا، وهذا هو خلق المسلم الحق الذي به رجالات أسفي على مر العصور، إضافة إلى ذلك، بذلوا جهذا لإصلاح أحوال الناس من خلال ما كتبوا وعملوا وجدوا واجتهدوا، وخدموا مجتمعهم بكل قدراتهم وإمكاناتهم، وهو أمر يشهد لهم به غير قليل من جايلوهم.. وبذلك، كانوا نموذجا للمواطن المغربي الصالح، وقيمة للمجتمع الذي عاشوا فيه.
  
والملاحظ أيضا، أنهم لم يكونوا من الذين يقبلون على المواقع على الرغم من ممارسة البعض لهذا المنصب أو ذاك، ولكن لم يكن ذلك حبا في جاه أوفر أو مال أكثر، بقدر ما كان الأمر يستدعي بأداء رسالتهم التوجيهية والوعظية والعلمية على أكمل وجهكحامل المسك، لا يغادر موقفا كان فيه إلا ويترك خلفه عطرا يذكر لمن جاء من بعده.
لقد ظلت مدينة أسفي، تمنح لهذا الوطن رجالات أفذاذا، تركوا بصمات قوية وانطباعات حية وفاعلة في ضمير الوطن والمجتمع. مسيرة يقودها مثل هؤلاء الرجال ستكون مسيرة الخير والظفر والحياة المتوجة بالمجد لأجيال الوطن قاطبة.
    
إن المهتم بتاريخ مدينة أسفي ورجالاتها، خاصة في النصف الأخير من القرن العشرين، يجده حافلا بأسماء الرجال الذين أغنوا بوجودهم شملت المدينة، بما أسبغوا عليها من عطاء ليكونوا أجزاء هويتها وماهيتها، الشيء الذي منحها بعدا حضاريا متميزا ساعد على بروز أسماء لا تعرف إلا فيها وبها. وفي طليعة هؤلاء الرجال نجد مجموعة طيبة من هؤلاء الرجال الذين سنأتي على ذكرهم في الحلقات القادمة بحول الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 − اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض