سلايدرما وراء الخبر

حتى لا يصاب تعليمنا بالسكتة القلبية

محمد التويجر
كشفت أزمة العلاقة التعاقدية بين مؤسسات التعليم الخاص بزبنائها من آباء وأولياء التلاميذ حاجة قطاع التعليم الخاص إلى مراجعة قانونية سريعة وشاملة، تعيد النظر في منطلقاته وغاياته التربوية، بشكل يضمن التوازن المأمول بين هاجس الربح المادي الذي يسكن غالبية المستثمرين فيه، ودوره المفترض في الإسهام، إلى جانب شقيقه العمومي، في تكوين أجيال المستقبل.
شد الحبل بين المؤسسات وأولياء التلاميذ متواصل، رغم الهدنة الهشة المتمخضة عن لقاء الدار البيضاء الأخير، الذي فشل في إخفاء معالم تباين وجهات النظر إزاء القضايا الجوهرية، بحكم أن كل طرف متشبث بموقفه بخصوص نقطة الخلاف المتمثلة في المقابل المادي للشهور الثلاثة الأخيرة المتزامنة وجائحة كورونا، التي فرضت اعتماد التعليم عن بعد، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، بديلا مؤقتا للتعليم الحضوري. ففيما يدفع أرباب المؤسسات التعليمية الخاصة في اتجاه أن الأزمة لم تؤثر بأي شكل من الأشكال على انسيابية الخدمات، نجد أن الآباء مصممون على الذهاب إلى أبعد حد، بما في ذلك طرق أبواب القضاء، لفرص تخفيض الواجب الشهري إلى النصف، مع شمله للجميع بدون استثناء، بغض النظر عن درجة تأثير أزمة كورونا، بدعوى أن الوسائط الاجتماعية لا يمكنها بأي شكل من الأشكال تعويض التعليم الحضوري داخل الأقسام، مؤسسين طرحهم على أن الخدمات البديلة تبقى متباينة النتائج، بالنظر إلى طبيعة ودرجة انخراط كل مؤسسة على حدة، وامتداد إلزامية الأداء لتشمل أيضا الأقسام الدنيا غير المعنية بالعملية (الروض مثلا)، دون تجاهل الأضرار الصحية والنفسية المرتبطة بتداخل الحصص وطول مدة تركيز التلاميذ على شاشات الحواسيب والهواتف.
ورغم أن مسؤولية الحكومة وقطاعها المشرف قائمة بشكل واضح لا لبس فيه، فإن تحركهما ظل محتشما، لم يتجاوز دعوة الطرفين إلى مباشرة التفاوض قصد تليين المواقف المتصلبة، والاتفاق على حل يرضي الجهتين المتناحرتين، خصوصا وأن كليهما مصر على التجييش والتهديد بالتصعيد لفرض منطقه وشروطه، رغم مسكنات الجلسة الأخيرة، التي قادت فئة أرباب المؤسسات إلى تليين بعض من مواقفها، من قبيل صرف النظر عن المطالبة بالمقابل المادي لخدمات النقل والإطعام المدرسيين، وإشهار ورقة الامتناع عن تسليم التلاميذ ما يحتاجونه من وثائق ذات صلة مباشرة بالامتحانات الإشهادية.

وما يعكس هشاشة جلسة أكاديمية الدار البيضاء، رغم قيمتها الرمزية باعتبارها منطلقا لحلول متوافق عليها، كونها لم تثن الآباء والأولياء على مواصلة تشكيل مزيد تنسيقيات والإنكباب على تسويق مبادرات بديلة، تنبني على الهجرة المعاكسة نحو التعليم العمومي، وإعلان استعدادها لدعمه من أجل تحسين خدماته البيداغوجية واللوجيستيكية لخنق “موالين الشكارة”، على حد تعبيرهم. (في السنوات الخوالي، كان التعليم الخاص مرادفا لأوصاف قدحية تحط من قيمة منتسبيه، وتنظر إلى غالبيتهم بأنهم مجرد فاشلين يبحثون عن أقصر الطرق لتسلق الدراجات)،
بكل تأكيد أن صم الأذان والثبات على المواقف المتصلبة لا يخدم، بأي شكل من الأشكال، مستقبل أزيد من 1000000 تلميذ مسجلين في المؤسسات الخصوصية. ولتفادي استمرار تدحرج كرة الثلج هذه، وما تنطوي عليه من تهديدات جدية مضرة بمنظومة التعليم المغربي في شموليته، وهو المقبل على تحديات وتغييرات هامة تهدف إلى ملاءمته مع المستجدات العالمية، بات لزاما على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها كاملة، عبر النزول بكل ثقلها لتليين المواقف المتشنجة، وتذكير المستثمرين في القطاع أن الربح الحقيقي، بعيدا عن شقه المالي، هو ذاك الذي يقود إلى الإسهام – في تناغم مع شقه العمومي – في تكوين وتهيئ شباب مسلح بالمعرفة، قادر على الاندماج بكل يسر في سوق الشغل التي لا تتوقف عن التطور، ومن ثمة القطع مع ظاهرة إخلاص التعليم، العام منه والخاص، للعب دور البوابة المعززة سنويا لصفوف المعطلين والمنقطعين بأفواج جديدة من شباب صرفت عليه الدولة ، كما الآباء والأولياء، ملايين الدراهم .
أمام استمرار تشنج مواقفهما معا، ندعو الفئتين المتناحرتين إلى إعمال منطق التعقل، واستحضار حساسية الظرفية ومفهوم المواطنة الحق، بدل الإصرار على ركوب صهوة التعنت ولي الذراع. كما نهمس في أذني رئيس الحكومة ووزير القطاع السيدين سعد الدين العثماني وسعيد أمزازي بضرورة تحمل مسؤوليتهما حتى لا يخرج الوضع عن السيطرة.. فلا شك أن الحكومة تبقى العراب الأساسي للتعليم المغربي في شموليته، من زاوية أنها الممتلك لسلطة تدبيره، المشرفة على تشريع كل ما يرتبط به، ووضع مناهجه، والمنظمة للامتحانات الإشهادية، المصادقة على نتائجها، والمانحة أيضا لدبلومات التخرج…..فهلا تحمل كل طرف مسؤوليته، لتمكين المغرب من الحفاظ على سجل حربه ضد فيروس كورونا مشرفا، خاليا من الشوائب والنقط السوداء ؟
الكرة في معترككم أيها السادة ، فليُجِد كل واحد منكم التصويب، تفاديا للتأثير سلبا في النتيجة النهائية للمواجهة، ودرءا لزلزال وشيك مبهم العواقب، يتهدد منظومة التعليم، العام منه والخصوصي، بالسكتة القلبية، خصوصا وأن الكثير من الآباء باشروا مسطرة الانتقال الجماعي إلى التعليم العمومي. ولكم أن تتخيلوا حالة الإرباك التي ستميز الدخول المدرسي المقبل، إذا ظل كل طرف مصرا على مواقفه المتصلبة، وبقيت الحكومة مخلصة للعب دور المتفرج غير المعني بما يعتمل فوق رقعة لعب محتاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى تعديل عميق يمس أهم قواعد لعبه، سعيا إلى تحقق التوازن المفقود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض