
لا مكان بيننا للجشعين وتجار الأزمات
محمد التويجر
إذا كان خبراء الطب والاقتصاد يوصون سكان المعمور بالتعايش الاضطراري مع فيروس كورونا، في انتظار أن تقود الجهود الحثيثة داخل المختبرات إلى تلقيح ينهي حالة الهلع التي أعقبت اكتشاف أول حالة إصابة بيوهان الصينية متم العام الماضي، فإن بعض الشركات المشتغلة بالمغرب تصر – ضدا على الظرفية – على أن تعطي التعايش مفهوما معاكسا في اتجاه فرض مخططاتها الجشعة، المفرطة في الأنانية، دون مراعاة لأوضاع الفئات المجتمعية المرتبطة بخدماتها.
الأمثلة كثيرة على تمظهرات الجشع هذه، لكننا سنكتفي اليوم بإبراز ثلاثة منها، نظرا لسرياليتها وغرابتها وأضرارها المباشرة على مواطن، أبان عن حس وطني لافت وهو يتفاعل إيجابا مع جهود الدول، قصد محاربة جائحة كورونا.
لنبدإ بالحرب الضروس المستمرة بين ممثليات التعليم الخاص المواجهة لآباء وأولياء التلاميذ جراء الرسوم الواجب أداؤها مقابلا للأشهر التي استبدل فيها التدريس المباشر ببديل معتمد لتقنية التواصل عن بعد…حرب لم تضع بعد أوزارها، ومعاركها تنبئ بالكارثة حين الدخول المدرسي القادم، في ظل تشبث كل طرف بمواقفه، وعدم مراعاة مستثمري القطاع لحالات الاستثناء التي فرضتها كورونا على الجميع، والتزام وزارة القطاع الحياد السلبي، وعدم إقدامها على مبادرة جريئة لفك فتيل الانفجار الوشيك .
من علامات الجشع أيضا، إثقال الشركات الأجنبية المدبرة لقطاعي الماء والكهرباء كاهل أرباب الأسر بفواتير ما أنزل الله بها من سلطان، عبر اعتماد حسابات ملتبسة مستندة إلى تقدير الاستهلاك الافتراضي، في انتظار القراءة الفعلية للعدادات، حيث بتنا نسمع عن فواتير صادمة ب 1000 و 1500 درهم لأسر اعتادت على أداء 200 درهم، وأخرى تتجاوز 5000 درهم، لمحلات ثبت بالحجة والبرهان أنها كانت مغلقة، متوقفة عن العمل طيلة الحجر الصحي، تنفيذا لتعليمات السلطات المختصة .
متفقون أن القراءة التقديرية إجراء مرحب به في مثل هذه الحالات الاستثنائية، حماية لمستخدمي الشركات المذكورة من مخاطر الوباء. لكن، من حقنا أن نتساءل أمام إصرار الشركات المدبرة للقطاعين على تضخيم الفواتير : لماذا لم تقم ب”قراءة مواطنة” واتخاذ الأشهر الثلاثة الأخيرة مرجعية ومنطلقا لتهيئ الفواتير الجديدة؟ ولما لا تخفيضها تجاوبا مع نفحة التضامن التي هبت على المملكة منذ أول يوم للوباء، وانخرطت فيها غالبية المغاربة عن طواعية؟
…هي مجرد أماني، لأن الشركات لا تهمها استثنائية الظرفية في شيء، والأهم عندها ملء الرصيد وتحويله بالعملة الصعبة إلى بلد المنشئ، ضدا حتى على مضامين العقود المبرمة مع الجهات المغربية المختصة، التي ارتكبت خطأ فادحا حين فكرت ، مجرد التفكير، في التخلي عن تدبير قطاعين حيويين يعنيان الكثير للمواطن .
تنطع الشركات الأجنبية مصاصة دماء هذه، واعتمادها سياسة الهروب إلى الأمام وفرض الأمر الواقع، اضطرا وزير الداخلية مرة أخرى إلى التحرك قصد تنبيهها ودعوتها إلى إعادة النظر في سلوكها الجشع، تفاديا لقلاقل مجتمعية الكل في غنى عنها.
ثالث المشاهد السلبية، التي جعلت كل من يمتلك ذرة عقل يتساءل من فرط الريبة والحيرة، عما إذا كان بعض المسؤولين خارج الزمن المغربي وسياقه، إقدام الشركات المدبرة لمرائب مطارات وصول المغاربة العاقين بالخارج على صدمهم بتذاكر خرافية، تتجاوز قيمتها أحيانا 4000 درهم، بدعوى أن سياراتهم ظلت مركونة هناك، طيلة غيابهم الاضطراري خارج الحدود، لمدة تزيد عن المائة يوم.
أمام صرخات الاحتجاج والاستهجان، أعاد المكتب الوطني للمطارات الأمور إلى نصابها، عبر إلغاء الفواتير “المنفوخة”، واستبدالها بأخرى منطقية تأخذ بعين الاعتبار تاريخي الذهاب والعودة الأصليين المثبتين في التذاكر المقتناة قبل تفعيل قرار إغلاق المجال الجوي عبر العالم…القرار خلف موجة ارتياح لدى الفئات المتضررة، لأنه احتكم إلى منطق العقل والتعقل، منسجما مع التدبير الجيد المعتمد من وزارة الخارجية وسفاراتها وقنصلياتها لتحسيس المغاربة العالقين أنهم جزء من انشغالات إدارة المركز، وألا أحد نسيهم في خضم الأزمة، وأن التأخر في معالجة الملف أملته حسابات لوجيستيكية صرفة، مرتبطة بخطط توفير طائرات الإجلاء، وكذا فنادق الإقامة والإعاشة والمتابعة الصحية اللازمة خارج المغرب وداخله..
هذا غيض من فيض أمثلة لسلوك جهات تسبح ضد التيار المجتمعي المغربي، كان من الأفيد ليها أن تلتقط الإشارات العديدة التي بعثتها الدولة طيلة تدبير الأزمة، تفاديا لإحراج مجاني هي في غنى عنه، لأن لا المقام ولا المقال يشفعان لها بخرجاتها النشاز.
وحتى لا يتورم سرطان جشع مثل هذه الشركات، وما أكثرها، بات من اللازم على المصالح المختصة النزول بكل ثقلها، وبذات الصرامة التي ميزت ( ومازالت ) تدبيرها لجائحة كورونا، لتذكير كل من سولت له نفسه الخروج عن المنظومة المجتمعية المغربية أن دوره الأساس، موازاة مع حقه المشروع في ابتغاء الربح، يتمثل أساسا في خدمة الوطن وساكنته، بدل الاغتناء على حساب مآسيه .
كلنا أمل في أن تؤسس جائحة كورونا لمغرب متكافل، جديد بأفكاره واستراتيجياته، يعتمد البعد المجتمعي في مختلف مقارباته، لغاية ميلاد إنسان مغربي جديد مؤمن بإمكانيات وطنه، منخرط في الارتقاء به إلى مصاف الدول المميزة. ولن يتحقق هذا المبتغى وبيننا جهات متشبعة – حد العقد المرضية – بالفكر الليبيرالي المتوحش، يسيل لعابها للاغتناء الفاحش، مستهترة بالقيم الكونية، سابحة ضد التيار التعاقدي المجتمعي الجديد الذي أعطى انطلاقته راعي البلاد وضامن استقرارها الملك محمد السادس حفظه الله، الذي غلب منذ بداية الجائحة سلامة الإنسان المغربي على ما دون سواه.
خلاصة القول….لا مكان بيننا للجشعين وتجار الأزمات