
الإشراق الصوفي في الشعر الملحون – الحلقة التاسعة
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
بمناسبة الطلعة البهية لشهر رمضان المبارك، يسعدني أن أتقاسم مع قراء MCG 24 موضوعا في غاية الأهمية، يتعلق بالإشراقات الصوفية في الشعر الملحون، متمنيا لهم جميعا قراءة ماتعة ورمضانا مباركا، أدخله الله علينا باليمن والبركة والتيسير، وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، وبلغنا جمال لحظاته ونحن في أحسن حال.
الحلقة التاسعة:
امتاز هذا الحضور الصوفي في الشعر الملحون بقيمة أدبية متميزة، متصلة بأدب النفوس ومراقبة أحوالها .. فقد ابتدع شعراء الملحون أغراضا برزوا فيها ونالوا فيها قصب السبق. فالتوسلات والمناجاة والاستغاثات والمدائح النبوية، كلها الوان أدبية تأخذ بمجامع القلوب وتهز الوجدان .. علما بأن الأدب الصوفي لا يقوم على الرغبة أو الرهبة، بل قصده الصوفية لذاته، تلبية لنزعة حب التعبير عن خلجات النفس، فلم يقصدوا به عظيما، ولم ينزلقوا به إلى كبير، وهو لذلك أدب يقوم على دعامة متينة من الإخلاص والصدق.
فما أحوجنا إلى تأكيد ما انطوى عليه الشعر الملحون من إشراقات صوفية وقيم روحية، ومبادئ رفيعة صدرت عن شعراء اختاروا النهج الصوفي، ليتخلصوا من رعونات الحياة المادية. وهذا المظهر الإيجابي، لم يظهر عند جميع شعراء الملحون، ولا نبالغ إذا قلنا، إن الكثرة الغالبة منهم قد سلكت في مجال التصوف سبيلا من الإيجابية البناءة. ولعل المتتبع لغير قليل من قصائد الملحون، سيجد فيها شعرا صوفيا متميزا، وثروة من الفكر الإنساني الرفيع، وفيضا من الوجدان الصادق، وصورا بيانية تعبر عن أدق همسات النفس وخلجات القلب وومضات الضمير. فقد نظم شعراء الملحون فيما يسمى بأدب الوصايا، وهو لون أدبي، اهتموا فيه بالأخلاق، فقدموا للقارئ مختلف النصائح التي تؤدي إلى إصلاحه في الدنيا والآخرة، ومنها ملامح تصور رحلة الروح إلى عالم الملكوت ومنها قصائد غرامية ذات مغزى صوفي، وإشراق روحاني.
إن الباحث ليحار، ماذا يذكر وماذا يترك من هذه الإشراقات الصوفية التي تزخر بها قصائدهم. والحقيقة أنه حين يعرض لما عالجه الشعر الملحون من موضوعات، يندهش لهذه الشمولية التي لم تكد تغادر موضوعا من مواضيع الشعر المعرب إلا تناولته، بل أحيانا زادت عليه ألوانا أخرى، مما يكشف عن روح إبداعية كبيرة لشاعر الملحون. فقد تنبه هذا الشاعر المبدع لكل ما له صلة بنفسه أو بمجتمعه.