ثقافة

الإشراق الصوفي في الشعر الملحون – الحلقة العشرون

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
بمناسبة الطلعة البهية لشهر رمضان المبارك، يسعدني أن أتقاسم مع قراء MCG24 موضوعا في غاية الأهمية، يتعلق بالإشراقات الصوفية في الشعر الملحون، متمنيا لهم جميعا قراءة ماتعة ورمضانا مباركا، أدخله الله علينا باليمن والبركة والتيسير، وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، وبلغنا جمال لحظاته ونحن في أحسن حال.

الحلقة العشرون:
تشير بعض الدراسات إلى أن الإنسان كائن ثلاثي النشأة والتكوين والحاجة، هو إنسان له تكوين مادي ونشأة مادية وحاجة مادية. قال تعالى في محكم تنزيله: ” قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق.. “وهو في الآن نفسه، كائن عقلاني النشأة والتكوين والحاجة، يتسامى عن المادة، وهو أيضا وجداني روحاني، يحس ويتأثر ويشعر، يخاطب القرآن فيه هذه الأبعاد الثلاثة، فإذا اكتفت حاجة الإنسان المادية والعقلية، تظهر حينئذ حاجة أخرى، وهي تطويره من العقل وجدانيا أو أخلاقيا. من هنا، غدا التصوف ضرورة كعلاج وحلول لمشكلات الإنسان، إذ إن من أهم صفاته، صفاء النفس ونقاء القلب والتخلص من قيود الجسد، والتطلع إلى نوع جديد من الحياة الروحية السامية.
ولا شك أن التجربة الصوفية، جزء أو مظهر من التجربة الدينية العامة، ما دام هدفها هو تهذيب الباطن بمظاهر الأوامر الشرعية والالتزام بحدودها، وتشبع المسلم بحقيقة الإسلام الأخلاقية. وهذا هو جوهر دعوة الشاذلية إلى التصوف.. أي أن التصوف لا يتعارض مع الحياة وأسبابها، وأن إصلاح الباطن لا يتعارض مع إصلاح الظاهر. ومن هنا، يمكن أن ندرك كيف صير الإمام الشاذلي رضي الله عنه، التصوف أخلاقا عامة “شعبية ” يتخلق بها سائر أصناف الناس. فهناك إذن حضور قوي للبعد الأخلاقي الذي يطبع التصوف، ولا يعدو أن يكون هذا البعد الأخلاقي مندرجا فيما امتدحه في ما بعد الإمام الشاطبي تحت ما يسمى: “فقه النفس”. لهذا، فإنه في نطاق أخلاقية وسنية التصوف المغربي، فإن البيئة المغربية تأبى أن تؤطر كل من يلجأ إليها بإطار عملي أخلاقي سني.
وتأسيسا على ذلك، نؤكد ما انطوى عليه الشعر الملحون من إشراقات صوفية وقيم روحية، ومبادئ رفيعة صدرت عن شعراء اختاروا النهج الصوفي ليتخلصوا من رعونات الحياة المادية، مؤكدين على القيمة الأخلاقية للتجربة الصوفية المغربية، ملتزمين بالدعوة إلى التشبث بالصفات الحميدة، بغية تصفية النفس من كل خبث ودنس ، غايتهم تحصيل رضى خالقهم والتقرب منه سبحانه وتعالى. ذلك أن التقرب من الله يكون بأحد أمرين اثنين الأول، الحرص على طاعته وتحصيل رضاه. والثاني، البعد عن معصيته واجتناب سخطه، وإخلاص النية لله تعالى. من هنا ظهرت تجليات الإشراق الصوفي عند شعراء الملحون، غايتهم الانعتاق من شهوات الدنيا ومباهجها، والانفتاح على ما هو أسمى وأنقى، الأمر الذي بدا بكل وضوح في غير قليل من قصائدهم ذات النفس الصوفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 − 6 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض