
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 64
إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
الأستاذ أحمد الهسكوري :
من مواليد مدينة أسفي عام 1944 ، نشأ وترعرع في بيئة اجتماعية وثقافية ذات مستوى رفيع من الوضع الاجتماعي والثقافي ، ومكانة مرموقة في الحياة .. حر الشخصية ، دائم العزة ، محب الاستقلال في الرأي ، خدوم لكل من يلجأ إليه .. قدوته في ذلك ، والده الفقيه محمد الهسكوري رحمه الله .
وهذه البيئة التي عاش فيها الأستاذ أحمد الهسكوري ، شاملة العلوم والفنون والآداب ، وهو ما وقفنا عنده إبان حديثنا عن أخيه الأستاذ عبد الله الهسكوري الأديب الأريب في الحلقة السابقة .
لذلك ، نجد الأستاذ أحمد قد ألم بطرف من تلك العلوم والآداب ، مما ينم عن تأثره بتلك البيئة الثقافية التي تشبع بها وتعلمها وسمعها من والده ، حيث تعلم منه ما لم يقرأه في الكتب والمراجع .
كان رحمه الله أستاذا مبرزا ، شخصيته محبوبة لدى معظم الأوساط الأدبية والثقافية في مدينة أسفي .. كرس حياته وطاقات نشاطه لخدمة الناس ، وهو ما كان عليه والده الفقيه محمد الهسكوري . يعامل الناس باحترام كبير وبكثير من الحب والتسامح ، يكره العناد والعنف ، متواضع ، يعشق القراءة والاطلاع ، حلو الحديث ، متزن معتدل في آرائه ، حكيم في القول ، بسيط في التعامل .
هكذا عرفناه أستاذا مربيا ناجحا بثانوية الهداية الإسلامية ، وإداريا محنكا بثانوية الخوارزمي بأسفي . لكن عشقه وحبه للفصل الدراسي ، عاد به مرة أخرى ليصول ويجول في مجال التدريس ، مظهرا أنه ” ما يزال فارس علم وتعليم ” كان ذلك بثانوية الفقيه الكانوني . امتاز رحمه الله بسلوك مميز في مقابلته لتلاميذه وأصدقائه .. يميل في حديثه إلى الحوار والنقاش .. وعندما يسأل ، يصغي بكل جوارحه وأحاسيسه للسائل . وهذا دليل العناية والاهتمام بهم ، عميق في إجاباته ، واضح المعلومة والشرح ، غزير العلم وفنونه . وبذلك ، أوجد علاقة قوية ووطيدة بينه وبين من يقابله . ومثل هذا السلوك ، يعتبر أصلا من أصول التدريس والتربية والتعليم . أذكر ذلك حين زرته في بيت والده بحي بياضة قبل وفاته بمعية أستاذنا الجليل الدكتور عباس الجراري أطال الله في عمره .. فكانت جلسة طيبة دار الحديث فيها عن جميل الذكريات التي كانت تجمع والده الفقيه محمد الهسكوري بوالد أستاذنا المرحوم سيدي عبد الله الجراري ، إذ كانت تجمع بينهما أواصر قوية كان لها أثرها في توجيه النهضة الثقافية في أسفي في ذلك الوقت ، لو تم استثمارها لكان لهذه المدينة اليوم شأن آخر في المجال الثقافي . فالتاريخ يحكم لنا بآثارنا الثقافية التي لا تقدم ، بل تبقى على مر العصور محتفظة بحيويتها وصفحاتها المشرقة التي تتداولها الأجيال . لذلك ، لا نستبعد أن يكون الأستاذ أحمد الهسكوري قد نهل من تلك المجالس الثقافية التي كان يحضرها إلى جانب أخيه السي عبد الله .. وهو دليل على أنهما معا قد نهلا ما شاء لهما من هذا النبع الأصيل الذي جعلهما يتمتعان بالنضوج الفكري والعقلي ، والهدوء والاتزان والبصيرة الثاقبة ، وهي مقومات تهدي ـ بلا شك ـ إلى الخير والفضيلة .
توفي الأستاذ أحمد الهسكوري بعد أن أقعده المرض المفاجئ في 13 دجنبر 2010:
فلا أبـــــالغ إما قلت مقنعــــا بأنك الألمعي الملهــم الفهـــم
وما أداجيــك إلا أننـي كـلف بأن أشيد بمن أوجدوا دعموا
ولو جحنا أياديك التي انبجست لكان منها لك التقدير يزاحم
فاهنأ بما لك من وشي تحبره وهو الذخائر باسم الله تغتنــم ..