
أثر الثقافة الإسلامية في الشعر الملحون المغربي – الحلقة التاسعة
إعداد : د. منير البصكري
أسفي
في حشد الشاعر لهذه الصفات(الجبار– القهار ..) يستنجد بالقوة الإلهية الغالبة القاهرة التي لا معقب لحكمها .. و الله سبحانه – و هو أعلم بمراده – كأنما أراد بذكره لصفاته الدالة على القهر و الغلبة أن يملأ أسماع المؤمنين بحديث الفتوة و القوة . فإذا ما سيطر عليهم اليقين بعزة ربهم، استشعروا القوة بأنفسهم ، و اعتزوا بمن له الكبرياء وحده في السماوات والأرض ، و إلى ذلك يشير الشيخ العلوي سلسولي بقوله :
راد الله و خلقنا أضعاف مول الملك الدايم
سبحان من لا ينام و لا يسهى لعليم
بالخافي و الظاهر رب قوي جواد و راحم
لخلايق كلها ترجى رحمة لرحيم
مستغني على لفعال صالح و قبايح لجرايم
يغفر وجود ما يحافي عبد الأثيم
خلق لكوان أبلا اعوين يفعل ما راد وحـــــــــاكــــــــــــــم
لعقول اتحير فيه غني موجود أقديم
متفرد بالدوام والبقا صفات ياحـــــــــــــــــــــــــــــــــاضــــر
درها تسبيح فاللسان والغ قول الزور …
ويستفاد من هذه الاستشهادات أن شعراء الملحون ، فطنوا فعلا بأن عقيدة التوحيد تعتبر رأس العقائد الإيمانية ، علاوة على أنهم انتبهوا بعقولهم وقلوبهم إلى توحيد الله وما يوجبه ذلك عليهم من عبودية لله تعالى ، وإيمان صادق خال من الشك والانحراف . والإيمان لا يكون مرضيا إلا إذا كان على هذا النحو من التمكن والصدق ، مقترنا بالتوحيد العملي .. وهو إفراد الحق سبحانه بالعبادة والتقديس .
كان الإمام الشافعي يقول : ” آمنت بالله وبما جاء عن الله ، على مراد الله ، وآمنت برسول الله ، وبما جاء عن رسول الله على مراد الله ..” كما كان الإمام أحمد يقول : ” نفوض الأمر لله قائله وموجبه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا نرد على رسول الله ، ولا نصف الله تعالى بأكثر مما وصف به نفسه ، ووصف به رسوله ، بلا حد ولا غاية ، ونحن نعلم أن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .” ولعل شاعـــر القصيــــــــــــــدة الشعبيــــــــــــة الملحـــــــــــــون ، كان مطلعا على آراء بعض أصحاب المذاهب ، فانعكس ذلك في شعره ، على حد ما نجد في شعر الشيخ المغراوي :
واعلم بأن الرحمان رب جميع لكـــــــــــــــــوان
غني مغني منــــــــــــــــــــان ليس لو امثيــــــــــــــــــــل
ويقول الشيخ بنيوسف:
يامن ليس ليه اشبيه ولا امثيلو فالامصار ولا يقدر يوصف مخلوق غير معمي بجهالا
فالأثر القرآني واضح في هذه النماذج ، تعود بنا أصلا إلى قوله تعالى : ” ليس كمثله شيء وهو السميع البصير