ما وراء الخبر

أزمة القيم أخطر من كل الأوبئة

محمد التويجر

تعاني سمفونية التضامن المجتمعي المغربي بين الفينة والأخرى من “نوطة” نشاز، تفقد المجموعة انسجامها، وتؤكد أن الكل محتاج إلى مزيد تدريب على روح المواطنة الحقة، بعيدا عن لغة الخشب والأساليب المفرطة في التفاؤل.
نماذج هذا “النشاز” كثيرة لا تعد ولا تحصى، وسنكتفي هنا باستحضار أربع حالات لنؤكد أننا نعيش فعلا أزمة قيم أخلاقية أخطر من كل الأوبئة مجتمعة ، كلنا متحملون مسؤوليتها حكومة وشعبا :
“ثورة” مخالطي حالات “للا ميمونة” قاطني الحي الجامعي بالقنيطرة قبل شهر، واعتداءهم بالرشق على أطره ورجال حفظ الأمن المرابطين ببابه، بدعوى حرمانهم من التنقل إلى المرافق التجارية المجاورة قصد الاستبضاع.
جريمة قتل كورنيش آسفي، التي تسبب فيها سائق سيارة رشق واقيها الزجاجي بالبيض من طرف شباب المنطقة الذين كانوا منخرطين حين مروره في الاحتفال بالعادة السنوية “بوهيروس، حيث دهس شابين، متسببا في سحل وقتل أحدهما.
سرقة أكباش العيد من سوق الحي الحسني .
استيلاء نزلاء المستشفى الميداني بابن سليمان حين المغادرة، على محتوياته من حنفيات وأغطية، غير آبهين بأنهم سيحرمون بفعلهم السمج هذا، مرضى آخرين يستعدون لأخذ أماكنهم بذات المستشفى، طلبا للعلاج من فيروس كورونا.
هذا غيض من فيض يؤكد “تضخم الأنا” لدى المواطن المغربي، إلا من رحم ربي، وتغليبه مصلحته الخاصة على العامة، دون احترام لأدنى وازع أخلاقي أو ديني أو قانوني. لأنه اعتاد منذ المراحل الأولى لتكوينه، داخل البيت والمدرسة والشارع أيضا، على التفكير بمنطق مفرط في الأنانية، غير مقدر لقيمة التعاضد واحترام خصوصيات وممتلكات الآخر، غير واع أيضا بأن الأفعال التي يأتيها مجرمة من طرف القانون، وقد تجره إلى المساءلة لولا تسامح الدولة أحيانا وغض أجهزتها الطرف، في هذه الظرفية الاستثنائية بالذات، لكن إذا زاد الأمر عن حده، انقلب إلى ضده.
لا نجد أدنى في إحراج في الجهر بأن مسؤولية الدولة والحكومات المتعاقبة منذ تسعينيات القرن الماضي قائمة بشكل لا لبس فيه، في إفراز مثل هذه السلوكات والصور المستفزة (خصوصا سرقة أكباش العيد)، التي تناقلتها وسائل الإعلام الدولية (المناوئة أساسا)، معرضة إيانا إلى إحراج ما بعده إحراج، ضرب في الصفر كل المواقف الجميلة التي ميزت بداية تعاطينا مع أزمة كورونا.
يفترض أن التعليم – الأسرة – الشارع ثالوث مؤسساتي مقدس ضامن لتعليم موصول على روح المواطنة الحقة، المجسدة على أرض الواقع بأفعال (لا أقوال)، المحددة للحقوق والواجبات، المؤطرة عبر القوانين… وأي نكوص أو تراجع في الحد من مجال تحركها، لا يمكنهما إلا أن يفرزا سوى مزيد من المواقف السلبية التي تتهدد أمن الأمة ومستقبل أجيالها القادمة.
لنتدبر على سبيل المثال، حيثيات حادث سرقة أضاحي العيد نموذجا، فما ذنب الكساب الذي يقتات من فلاحة هشة أصابتها السنوات المتوالية للجفاف في مقتل، ومواشي يعلم الله كيف يتدبر أمور إعاشتها ، في ظل غلاء العلف، أن يعيش كابوسا لن ينمحي من مخيلته أبد الدهر، ما دام أنه يؤكد بدواخله الشعور بالدونية و”الحكرة”؟
ألا نكرس بسلوكنا المرضي هذا أننا نعيش في غابة، لا مكان فيها لاحترام القانون، وحتى إن طبق، فإنه ينفذ منقوصا، لأسباب لا داعي لذكرها ( تفسير الواضحات من المفضحات)؟
بين تثبيت دعائم دولة الحق والقانون، وتكريس مجتمع الفوضى وغياب الضوابط خيط رفيع ليس إلا، ومن ثمة، على مؤسسات الدولة أن تتدخل بلا تأخير لاستعادة هيبتها المفقودة، بلا شطط أو تعدي أو محاباة وتمييز بين علية القوم وعاديهم…ودون ذلك لا يبشر بخير، مهما أفرطنا في طلي وجهنا المتسخ المتجعد بأحدث المساحيق التجميلية .
أعتذر عن التشبيه، لكنه الواقع الذي لا يرتفع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية + ثلاثة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض