
ولنبلونكم… الاستعداد لمواجهة تحديات الحياة
عبد اللطيف محمد علي أفلا
من غفلتنا نحن البشر، أننا نحن نستعد للحرب، نستعد للامتحان، نستعد للزواج، نستعد للسفر، نستعد، ونستعد ..إلخ
لكننا لا نستعد لتحديات الحياة وغدر الأيام، لا نستعد لمفاجئات الدنيا من ابتلاءات الحق تعالى واختباره لصبرنا وعقيدتنا، وأيضا عقابه على الخطايا والذنوب، والتي هي الأولى أن نستعد لها، وهذا من عدم إدراكنا لكود الحياة الدنيا التي لا تستقر على حال أبدا، وأيضا قصورنا في تحمل مسؤولية واجب استخلافنا في الأرض نحن الإنسان الخليفة.
قال تعالى
ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين البقرة 155
وهذا الوباء سارس كوف 2، ترجم هذه الآية على أرض الواقع لكل الإنسانية، مرض وموت وخوف وأزمات مادية وضرر الاقتصاد في كل العالم. لكن المعنى أن نؤمن بحقيقة هذا الوجود ومنطق الحياة التي لا تثبت على حالها، بل أيامها متداولة بين الناس. وذاك هو سر الصدمات النفسية والأزمات الصحية بل حتى العقلية بالنسبة لكن من يأمن شراك العيش فيصاب بانتكاسات نفسية خلال النكبات.
التساؤل الذي يجب أن يطرحه كل شخص على نفسه، بعد كل نوبة من نوبات تقلبات الحياة، هو لماذا؟
لماذا توترت العلاقة الزوجية خلال الحجر الصحي؟ ولماذا سكن الهلع نفوس العديد من الناس أمام تهديدات كورونا؟
لماذا ترتفع حالات الإصابة يوميا؟
لماذا يقتل الرجل زوجته عندما يكتشف خيانتها؟
لماذا عندما يُطرد المستخدم من العمل ييأس من الدنيا، ويفجر غضبه في الزوجة والأبناء؟
لماذا يبدأ الطالب الإدمان ويتحدث بإحباط ثم يصاب بمرض الأعذار وخرافات الحظ عندما يرسب في الامتحان؟
لماذا يُضرِب الطالب عن الطعام،ويثور ويعتصم أمام المباني الحكومية معلقا مصيره بالأشخاص عندما لايشتغل بعد التخرج؟
حين يصاب الإنسان بمرض، لماذا ينفذ صبره ويفقد ثقته بالله، ثم يتساءل، لماذا أنا؟
عندما يعين أحد المدرسين في القرى والأرياف، لماذا يفقد طموحه ويتكاسل في أداء المهمة؟
لماذا ينتحر بعد الناس أو يُجنوا، حين يفقدون عزيزا ؟
الجواب
غياب قانون التحكم في تقلبات الحياة
عدم وجود إستراتيجية استعدادل مواجهة التحديات
عزيزي القارئ، من السخف وضعف التفكير أن نأْمن طريق الحياة وغدر الزمن.
والتاريخ يسجل عظماء بصموا الخلود أمام الشدائد المحركة للإبداع لديهم، منهم الأدباء والعازفون والرسامون والمخترعون والمفكرون والفلاسفة، جميعهم اتخذوا من نكبات الحياة قوة، وليس ضعفا كما هو حال ناس هذا العصر.
كل الانفعالات السابقة، جميعها محرمة، وتسوق فاعلها لحساب عسير في الآخرة، ناهيك عن غضب الله في الدنيا.
قاتل الخائنة الحزين، القانط من رحمة الله، والكافر بشر القدر، وذلك لأن كل المفاجآت المفزعة التي تعترض الإنسان في الدنيا تقابله في كثير من آيات الحق تعالى، لكنه غفل عنها، فمن كان آمنا حتما سيمر عليه زمن الخوف، ومن كان شبعانا له حتما زمن سوف يجوع فيه، ومن كان معافا في بدنه حتما سيمرض يوما ما، ومن له أحبة لابد أن يموت له أحد.، ومن يتجاهل نداءات الإجراءات الوقائية، فليعد نفسه للإصابة، ومن يتسكع أو يسيح في الأرض فليستعد لحجر صحي لا قدر الله إذا تفاقم وضعنا الوبائي أكثر.
والاستعداد للشدائد، لا يعني البتة أن نتشاءم ونتجاهل التفاؤل بالخير، ولكن قانون التحكم هو: إذا.. ؟.. وما هو الحل؟. والمعنى أن تعد بدائل لحل الأزمات، مما يجعلك أكثر مرونة وتحكما في حياتك، لا تقف عند المشكلة، ولكنك تخرج حلا سبق وأعددته.
لذا علينا جميعا اعتماد أسمى قانون ضمن قوانين العقل الباطن، وهو قانون التحكم.
كيف ذلك؟
خذ ورقة واكتب النقاط التالية، وأجب عليها!
- إذا جاءني ملك الموت، كيف سيكون حالي؟ هل سأكون مستعد للقائه؟
- إذا جاءتني مكالمة منزلية وأخبرتني بموت والدي، أو موت أعز الناس، كيفأتصرف؟
- إذاتخرجتمنتكوينيالعلميأوالمهنيولمأجدالعملالذيكانهدفي،هلأعتصمأمامالبرلمان؟أمأغيرالطريق؟
- إذا تزوجت واكتشفت أني عاقر، أو أن زوجتي عاقر، ماذا أفعل؟
- إذا خانتني الزوجة، هل أقتلها؟ هل أسترها؟ هل أطلقها؟
- إذا تزوجت واكتشفت أن زوجتي ليست عذراء، هل أرفضها وافضحها في أهلها؟
- إذا رزقت مولودا معاقا أو مريضا، كيف أتقبل ذلك؟
- إذا طردت من العمل، ما البديل الذي سأختاره؟ هل لدي مهارات وقدرات أخرى؟
- إذا تعرضت لغدر الأصدقاء والأحبة، هل أنتقم أم أسامح؟
- إذا ابتليت في عافية بدني، كيف سيكون حالي؟
- إذا أردت حمايتي وحماية أسرتي من كورونا ماذا أفعل؟
هذه الأسئلة هي ركائز قانون التحكم، والذي يعتبر قوة باقي القوانين، بل ومؤسس توازن وصبر الإنسان أمام نكبات العيش.
حين تجيب على هاته الأسئلة، سوف تتمكن من حلها مسبقا قبل أن تحدث، وعندما تحدث لا قدر الله سوف تقابلها بيسر ومرونة، وقتها لا يكون قولك إلا: إنا لله و|إنا إليه راجعون، وسيكون لديك أكثر من بديل لتخطي المصيبة، وبالتالي لا تقف عند المشكلة بل تمر عليها باتزان تام.
دون هذه الاستراتيجية يكون تصرف الإنسان إزاء لحظات الضعف تلك بعقله اليمين، وهو العقل العاطفي المسؤول عن التخيل والدفاع والهجوم والهروب، وخلال لحظات الضعف التي قد يجتازها الإنسان والمولدة للغضب، والحزن، والمرض، والخوف، والفرح الشديد، والخجل، والتوتر، والانفعال، والدهشة، والإعجاب، وهوس الحب، واللذة والألم.، يشتغل العقل باللاشعور، والذي لم يكن قد تكيف مسبقا لمواجهة الوضع المباغت، ولذلك يكون التصرف جنونيا قد يصل حد القتل، وبعد مرور مدة قصيرة، يقول الشخص المتفاعل عاطفيا مع الوضع: لم اشعر بتصرفي وقتها، لم اشعر وأنا أسب بكلام نابٍ.. لم اشعر..
جميعا عندما نصادف شجارا أو خصاما في الحي والشارع، نسخر من المتشاجرين وننتقدهم، ونستعيذ بالله من الشيطان الرجيم من ألفاظهم الجاهلية، وعندما نمر بنفس التجربة فإننا نتصرف مثلهم أو أكثر، لماذا؟
عندما سخرنا من الشجار كنا متفرجين في حالة انفصال بعقلنا الواعي، –انفصال بالأحاسيس– نقرأ الوضع بالعقل الشمال، بالتحليل والمنطق.
أما عندنا نكون من أطراف النزاع، فإننا وقتها في اتصال بجميع الحواس بعقلنا اللاواعي، عندها نواجه الأمر بالعقل اليمين، وهو الذي يجب علينا برمجته ليتصرف تلقائيا بصواب عند الأزمة.
إذا ما تمت إجابتك على تلك الأسئلة السابقة ابتداء من هذا اليوم الذي تقرأ فيه هذا الموضوع، سوف يفتح لك المخ ملفا اسمه التحكم، وسوف يُدخل كل الحلول والبدائل التي فكرت فيها كبرمجة مسبقة تطبع في تلقائياتك، وتخرج للواقع وقت الشدائد، مثل عادة تمخضت عن ديناميكية التكيف العصبي، فتصبح أنت بذلك كقطرة الماء لا يوقفك حاجز، تنساب في وجه الأزمات بسلاسة يسيرة.
من يتدبر الآيات القرآنية سيجد أن الحق تعالى بين لنا واقعا في قانون التحكم والاستعداد لمواجهة المحن، وهو الواقع الذي خبرنا عنه في وحيه لأم موسى.
حيث أنه سبحانه وتعالى، وقبل أن يعطيها الأمر بإلقاء موسى في اليم، سبق وأعدها لذلك، لأنه وبعمله الواسع، خبير بصعوبة امتثالها لأمره، إذا باغتها به.
وآيات إعداد أم موسى للتحكم في استقبال أمر الله هي:
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ، فَإِذَا –ركزوا هنا على كلمة إذا، هذا جوهر قانون التحكم–
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ، فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ القصص 7
ألقيه في اليم هي الحل خلال محنة الخوف.
هاته الآيات وحسب الفقهاء كان بينها وبين وقت الإلقاء زمن ليس بالقصير.، وهي فترة زمنية للتهيؤ للفعل، أما أيام الامتثال فقد جاءت في الآية 39 من سورة طه.
إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى، أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي .
عزيزي القارئ، اعلم بأن الأزمات النفسية، والأمراض، والصعوبات واعوجاج السلوك، والسكتات القلبية والجلطات الدماغية والشلل النفسي والعصبي، وفصل العلاقات والإدمان والانتحار سرها الأول والرئيس هو الصدمة، لغياب قانون التحكم لدى الإنسان، وهو القانون الذي أدعو الآباء والأمهات ورجال التعليم والفقهاء والدعاة، أن يرسخوه في فصول تربيتهم للناشئة ودروسهم وخطبهم، لأنه هو سر الصبر ومفتاح المرونة وتفجير المهارات والقدرات الإنسانية.
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) سورة الشرح
ولنفهم جميعا أن مع العسر يسر، وليس بعده، ولكن معه، فلنأخذ اليسر من العسر، وهذا لن يتأتى إلا باستخدام قانون التحكم في الحياة قبل لحظة العسر، لذلك فالذي ينحصر في المشكل تائها معطل التفكير، فاقدا القدرة على التصرف، هو عديم التحكم، ومن ينظر للحل خلال المشكل هو المرن والأكثر تحكما في حياته.
ولنا ان نسترجع فترة بداية الحجر الصحي في بلادنا، حيث أن كثيرا من الأشخاص الذين يعيشون ليومهم الحالي فقط، لم يكن في مقدورهم توفير مصروف أسبوع واحد، لأنهم لا يعلمون حسن التدبير استعدادا لأي أزمة، كاعتماد التوفير المادي مثلا رغم قلته، وفي المقابل تجد أشخاصا ومنذ إعلان حالة الطوارئ الأولى هاجروا إلى البادية بكل ثقة لأنهم وفروا ما يكفيهم لزمن طويل من الأزمات، بالرغم من أنهم كانوا يزاولون نشاطا مهنيا بسيطا، وللأسف هذا حال الكثير من الناس الذين لا صلة لهم بالاستعداد لمواجهة تحديات الحياة. ولا باستراتيجية يوسف عليه السلام الذي احتل صفة وزير الاقتصاد في مصرالقديمة،
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) يوسف