
تأملات
أَحَبُّ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ
عبد الرحمان سورسي
{{أَحَبُّ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، }}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن نفع الناس والإحسان إليهم، ومشاركتهم همومهم وأحزانهم، والتخفيف مِن آلامهم ومصائبهم؛ لهو مِن أعظم أسباب انفتاح القلوب للإسلام، والإقبال على شرع الله -تعالى- الذي يأمر بالعدل والإحسان، وحسُن القول والعمل في معايشة الناس ومعاملتهم؛ فينتج عن ذلك النفع للناس والإحسان إليهم أعظم الثمار مِن إشاعة الخير والتراحم بيْن الناس. وقد أمر الله -تعالى- بفعل الخير، وعلـَّق عليه الفلاح فقال -سبحانه-: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(الحج:77)، وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفُكُّوا العَانِيَ) (رواه البخاري). (العَانِيَ): الأسير.
أيها الإخوة والأخوات:
مَن كان مِن أهل الخير والمعروف في الدنيا كان كذلك مِن أهل المعروف في الآخرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَهْلُ المَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ المَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني).
– ولهذا قال الله -تعالى- عن صفوة الخلق من أنبيائه وأصفيائه: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ) (الأنبياء:73).
– فهذا نبي الله يوسف -عليه السلام- يتواتر إحسانه حتى على أهل الحبس في السجن على الرغم مِن كونهم كفرة فجرة حتى قال له صاحبا السجن: (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:36)، فكان معروفًا بالإحسان وقضاء الحوائج ونفع الناس، وقد فسَّر لهما الرؤيا مجانًا، بل وبعد أن نجا أحد الرجلين ونسي قضية يوسف -عليه السلام- ولم يوفِّ بحقه عليه وعاد إلى يوسف قائلاً له في تملق ومكر: (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) (يوسف:46)، إذا بيوسف -عليه السلام- يُحسِن إليه “وإلى كل أهل مصر” ويفسِّر الرؤيا دون عتاب ولا اشتراط، بل زادهم على تفسيرها النصح والإرشاد، فقال: (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ . ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ . ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) (يوسف:47-
هاكذا جاءت الشَّريعة الإسلامية ساعيةً لتعزيز القيم والأخلاق الحميدة المختلفة في نفوس النَّاس، وتربيتهم عليها لتكون سلوكهم المعهود وديدنهم الدائم في تعاملهم مع كلِّ من حولهم في شتَّى المواقف والأحوال، ومصداقٌ على أنَّ من الغايات السَّامية من إرسال الرُّسل والأنبياء -عليهم السَّلام- تعزيز الأخلاق الحسنة ونبذ الأخلاق السَّيئة وتركها، ما روي عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (إنَّما بُعِثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ)،[١] وقد ذكرت آياتٌ من القرآن الكريم وأحاديثٌ نبويَّةٌ شريفةٌ الأخلاق الكريمة والسُّلوكيَّات القويمة، وحثّت عليها، وبيّنت فضلها وثوابها، وأخرى ذكرت الأخلاق السَّيئة والسُّلوكيَّات الذَّميمة وحذّرت منها وبيّنت عاقبتها وعقاب الله المترتِّب عليها، وتالياً ذكرٌ لأحد هذه الأخلاق الحسنة التي بيّنها الحديث الشريف، وهو نفع النَّاس، وحديثٌ عن فضل هذا الخلق وثمرته وأثره في الفرد والمجتمع.
خلاصة:
معاشر السادة والسيدات:
لقد وردت أحاديثٌ شريفةٌ عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-ل فيها بيان التفضيل والخيريَّة لأصنافٍ من النَّاس أو أفعالٍ وأعمال، ومن بينها الحديث الذي يذكر خير النَّاس ، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير النَّاس أنفعهم للنَّاس)،[٢] وورد في روايةٍ أخرى لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، ولَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ، وإِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ).[٣] والمعنى المراد في هذا الحديث الشَّريف أنَّ أشرف عباد الله تعالى وأحبَّهم إليه من كان أكثر نفعاً لعباده الآخرين، ويكون نفعه لهم بما يسديه إليهم من معروفٍٍ وما يقدِّمه لهم من نِعمٍ، وما يدفعه عنهم من شرورٍ ونِقم، وما يسعى في قضاء حوائجهم، والتَّخفيف عنهم، والوقوف معهم، وعونهم،[٤] فمن كان حريصاً على كلِّ ذلك كان من خير النَّاس وأحبِّهم إلى الله تعالى.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.