
جيهان خليل تتألق في عمل بصري يجمع بين العمق الفلسفي والبعد الجمالي للتراث
في قلب شوارع الدار البيضاء، حيث يتعانق التاريخ مع الحاضر، شهدت المدينة جلسة تصوير غير تقليدية بعنوان “أزمنة خفية وذهبية – لنصنع فنا”، تحولت فيها الصورة إلى نص مفتوح على التأويل. هذه التجربة الفنية لم تكن مجرد عرض بصري، بل مشروعا يعيد مساءلة التراث المغربي عبر عدسة معاصرة، ويستدعي الذاكرة الجمعية بلغة سريالية مفعمة بالرموز.
الفنانة جيهان خليل كانت العنصر المحوري في هذا المشروع، ليس كموديل تصوير، بل كجسد ناطق يعبر بلغة الجمال والحركة. جيهان، صاحبة التكوين الفلسفي العميق، حضرت بشخصية مركبة تستدعي من خلالها تاريخ الأنثى، وتجعل من حضورها الفني مساحة للتفكير والتأمل، مستثمرة خلفيتها الأكاديمية في الجماليات ودراسات المرأة لصياغة أداء بصري مثقف.
في صورة البورتريه، بدت خليل كأيقونة مغربية تستعيد طقوس الزينة الأنثوية: قبعة حمراء مزينة بـ”عين الحسد”، كحل حاد يحيط بنظرات ثاقبة، وسلاسل ذهبية تنساب على جبينها. أما القميص الفضفاض والكوفيه الأزرق، فكانا امتدادا لهوية بصرية تجمع بين الانسياب والقوة، بين الرمز الشعبي والذوق الحديث، بينما بدت بعض اللقطات التجريدية وكأنها تسائل علاقة العين بالصورة، وما يُرى بما يُخفى.
هذا العمل الجماعي جاء تحت إشراف المصممة أميمة ريحانة، صاحبة علامة “هايدن راديونس”، وشارك في تصميم الأزياء نوهيلة الإمامي، وفي التصوير لؤي ساكر، أما الإخراج فكان بتوقيع سفيان وزهرو، والمكياج بريشة يونس الصافي. كل عنصر في هذا الفريق ساهم في تحويل الجلسة إلى عمل بصري متكامل، يعكس تماهي الجسد مع الإضاءة، والرمز مع التقنية.
المشروع، رغم حداثة لغته البصرية، لم يقطع صلته بالتراث. بل استثمر العناصر المغربية بحرفية عالية: من النقوش والأزياء، إلى الرموز الشعبية مثل الخمسة وعين الحسد، ليعيد تقديم الهوية المغربية كموضوع قابل للابتكار وإعادة الاكتشاف. إنه مشروع يجمع بين ذاكرة الماضي وحساسية المستقبل، بين التأصيل والتجريب.
تأتي هذه التجربة في سياق مسار فني متصاعد للفنانة جيهان خليل، التي تميزت بأداء متوازن بين الموهبة والحضور الأكاديمي. من المغرب إلى مصر، شقت طريقها بإصرار لتصبح من أبرز وجوه الجيل الجديد في الدراما المصرية، محتفى بها في عدد يوليو من مجلة Éclat.
ومع تراكماتها الفلسفية، ودراساتها حول الجمال والهوية، تبدو جيهان اليوم تجسيدا حقيقيا لفنانة لا تكتفي بأن تُرى، بل تجعل من ظهورها سؤالا بصريا وفكريا في آن معا.