
أُغمِضُ عيني لأرى، أعوِّل على طاقةِ النسيان، لأخترقَ الصور والأسوار والشواغل، أحاولُ البحث في متاهة الذاكرة عن لحظةِ وجد كامنة، عن صمت جذبي تَسري في أوصالي دهشتُه كلما ترنمت بنغم صوفي لهُ الحيرة وبهاء الرقص تحت قهر الأحوال… معنىً عصي عن الالتقاط الكامل، متعذِّر عن كل حصر، ومع ذلك تلتمع آثارهُ اللامرئية في أقاصِي سرِّي… يتنمَّلُ مع نسيمه الملائكي جلدي، تستشعرُ جوارحي قوةَ حضوره اللطيف، في مكان ما من روحي… أغمِض عيني لأذهب إلى هناك.. لألتقط ملامح تُشرِقُ وتغيب، تبتعد ثم تقترب … ملامح رجلٍ له هيبةُ النظرات، ودقَّة الحركات، و دهاءُ الصامتين، وفطنة الروحانيين، و وجدُ المكتوين بجمرةِ العشق الأقدس… رجل تسكن جَسدَه النحيفَ روحٌ لا حدود لشغفها، و رهافة وجدية منها يمتحُ النغمُ جنونَه المقدَّس وماءه السرّي، والنظمُ منها لذةَ إشراقه الفردوسي وماءَه الشِّعري… إنه رجل السلوكِ والجذب، الصحوِ والمحو، الشعرِ والسر، حانِ الوجدان وغُنْمِ الألحان، أوَ لم يكنْ دائمَ التواجُدِ والتغني بِبيتي سلطان العاشقين عمر ابن الفارض:
فدُونكَها في الحَان واستجلِهَا بهِ — على نَغَمِ الألحانِ فهي بها غُنْمُ
فما سكنتْ والـــــهمَّ يوما بموضعٍ كـــــذلك لم يسْكُنْ مع النغمِ الغمُّ
إنه حادي أهلِ اللهِ في الزوايا والخلوات، وعنوانِ مزمار الوجدِ بين أهل المغرب المعاصر، شيخِ المادحين والمسعين بالمغرب الأستاذ عبد اللطيف بنمنصور، والذي تحل في شهر أبريل 2017، الذكرى السابعة لرحيله….لتهنأ روحكَ أستاذَنا بما ذكرتَ و أنشدتَ و علَّمْتَ و نظمتَ و لحَّنتَ و نشرْتَ و عرَّفتَ و صحَّحتَ و هذَبتَ و ألَّفتَ و كتبتَ….لِتهنأْ بعملك الذي ستظهر نفاستُهُ الاستثنائيةُ في لحظة قادمةٍ آتيةٍ لا محالةَ، ليكتشفَ الأحفادُ مجاليَ منسيةً من عبقريةِ الأجدادِ المتجاوِزَةِ للأزمنة و الأمكنة و اللغات و الثقافات…و لتهنأ هناكَ حيثُ لا حيثُ جوارَ محبوبِك…فالمرءُ معَ من أحبَّ كما أخبرنا ممدوحُكَ و محبوبُكَ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ….و لنسافر في الذكرى و تمجيدِ المنفلِتِ من سرِّكَ..و نحنُ نصغي إلى بهيِّ أعمالكَ و خالداتِ ألحانك المبلَّلَةِ بماء السر و المعنَى…ماءِ الغيبِ بلغةِ الجنيدِ…و ماءِ الذكرِ أو ماء البسطِ بلغةِ شيخ طريقتك سيدي محمد الحراق…أفتحُ عيني لأرَى…فلا أجدُ غيرَ كلماتٍ ليست كالكلمات…كلماتٍ لها لذةُ الغربةِ القادمةِ منْ حنينٍ كليمٍ…
محمد التهامي الحراق