تأملاتسلايدر

المؤثرون في زمن الكورونا

بينما يحصي العامة آثار الحظر الاجتماعية والاقتصادية ، وتتبع الوضع الوبائي وترقب عدد الموتى ونسب المتعافين والمخالطين ، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي من مصدر للمعلومة السريعة وفضاء للتواصل وتبادل الأفكار إلى مرتع للتفاهة والتافهين تحت ذريعة الترفيه ، بفعل الفراغ الذي يعاني منه البعض وبسبب ضعف المنتوج الإعلامي الهادف وغياب الوعي الجمعي.
حيث استغل بعض من ينسبون لنفسهم التأثير فراغ الساحة وتحينوا الفرصة للقفز على كل ما سبق
وبثوا محتوى لا يليق لا بالسياق ولا بالفترة الحرجة التي يمر منها المغرب .
ساعات طوال يتم استهلاكها يوميا أمام “لايفات” جوفاء دون أية قيمة ذوقية أو فنية مضافة رغم آلاف المشاهدات التي تحصدها من طرف المستهلكين لهذا النوع من المحتوى ،وهم للأسف كثر.
حيث استطاع هؤلاء خلق عالم موازي يحيد عن سياقنا الحرج ، حيث تدفعك الحيرة للتساؤل عن جغرافية هؤلاء و ميكانيزمات تفكير هم.
لكن سيصبح من المنطقي التسليم بذلك لبرهة لو ربطناه بسياقه الوطني العام، فبالرجوع لإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط ، سنلحظ نسب الأمية و الهدر المدرسي وغيرها من المؤشرات السلبية المرتفعة وضعف نجاعة التعليم ،ناهيك عن وجود نسبة كبيرة من الأشخاص غير المتمدرسين وغير الحاصلين على أدنى شهادة …
كذلك سيتجلى السبب لو قمنا بلفة بسيطة على برمجة قنواتنا العمومية والخاصة ،وسيصير الأمر أكثر وضوح لو اطلعنا على ما تحتويه من تقديس للتفاهة واختلال في ميزان تعيير جودة المحتوى، علما أن كثرة التفاهة أحدثت لدى الكثيرين نوعا من التطبيع وأفرز ت ما يمكن تسميته بالعقل الجمعي من خلال المحتوى المطروح للاستهلاك…
كنتيجة لذلك تم ترميز هؤلاء ، أي أنهم تحولوا لرموز وأبواق ومراجع في العديد من المواضيع الحساسة التي تمس سلامة المواطن وأمنه دون ما نظر لمداركهم ومستواهم المعرفي.
حيث يسعى هؤلاء لتخليد اسمهم ودفع الناس للحديث عنهم بأي شكل من الأشكال، أيا ما بلغ من فجاجة هذا الشكل أو سطحيته وقبحه.
للأسف أسبغوا التفاهة على كل شيء، وتكمن الخطورة الحقيقية للأمر في كون هذه المهمة سهلة وممكنة التحقق بسلاسة.

حيث أفرز التطبيع مع هذه التفاهة عن وجود بنية مجتمعية مغيبة ومنفصلة عن المنطق والعقل، مؤمنة بالخرافة ومتشبعة بالإلحاد المعرفي،لم يجدي معها تحسيس ولا ترهيب أو خطاب عقل ، فئة تتجاوز كل ذلك لتضع قانون ومعايير خاصة للوقاية والتفكير ، هي تلك الفئة المتمردة على نفسها وكل قيد يحاول كبح جماح مفهوم الحرية لديها…
لربما نجح هؤلاء بكسب شرعية مزيفة و بتسويق صورة لأنفسهم كمرجع وأنهم المثال المحتذى به ، وصاروا للمغيبين قدوة ،وهو أمر فيه نظر ، لو أخذنا بعين الناقد مصدر ذلك التمظهر والغاية منه.
وهذا أمر يسأل عنه الجميع ،مؤسسات وأفراد ومجتمع مدني ، حيث تم تبخيس مفهوم القدوة واختلت معايير الترجيح بين الخطأ والصواب ، وتحوير مفهوم النجاح والتأثير إلى نجاح مادي خارجي مفروغ من كل محتوى قيمي ،هنا قد نتساءل: أي المعايير تعتمد لتحديد قيمة النجاح وهل من حد للتفاهة؟
من المنظور البيداغوجي البحث ، هناك ثلاث مرتكزات للإقناع لو افتضرنا أن التفاهة رسالة : إما استخدام العقل عن طريق معالجة الحقائق والشواهد الملموسة والمدركة ، وإما استعمال العاطفة بتحريك مشاعر الجمهور واستمالتهم ، بالإضافة للأسلوب القصصي خصوصا المعتمد في المجال الديني.
إلا أن المنطق ولغة العقل لا تصل إلا للقليلين من ذوي الفكر الحر المستنير ، ذلك أن أغلب الناس يؤثر فيهم الأسلوب العاطفي والقصصي واللعب على أوتار العاطفة وتحريك المشاعر الخامدة لدى العموم.
نشير إلى مسألة جوهرية ، أن لهؤلاء “المؤثرين” أداة لغوية وقاموسا خاصا بهم ، حيث يعمد هؤلاء إلى اعتماد لغة خشبية جوفاء محملة بالحقائق “التوتولوجية” ، عن طريق النطق بتحصيل الحاصل الذي يقوم على الحشو أو مجرد التكرار لألفاظ مختلفة ، وكأن في الأمر قضية جديدة تنور الألباب ،غير أنه في الواقع لا يضيفون شيئا ويتلفظون بالبديهيات والمسلمات فارغة المعنى.
على أن خطورة هؤلاء المؤثرين تتجلى في القدرة على استقطاب تافهين أمثالهم لتتسع الرقعة ـ فالتافهون يعرفون بعضهم ويدعم بعضهم البعض .
هنا نتسائل : ألم يحن الوقت لوضع معايير محددة لتعيير الخبيث من الطيب من المؤثرين؟ فصناعة عقل واحد، خير من إثارة ألف عاطفة، العقل يثبت والعاطفة تموت، وثابت واحد خير من ألف منتكس.

يبقى أن نختم بالقول لذوي الألباب:
“شحذت مناجل الجهل بين الناس واستشرت كالسم بالكبد ، لا صوت العقل يجدي ولا حكمة ترجى من القلم.
بح صوت العقل حين يحدث ورام الجاهل لجهله وتربع كتيس برابيته.
لا فقهاء أدوا الأمانة كما ينبغي وما بلغوا عنك بيا نبيي الآية ، فقهاء الخلاف حين العوز فروا بنا ووزعوا وقتهم بين التعدد.
اختلى الجهل بالداء واغتالوا فينا أحبة كانوا يظنون أن للغد موعد .
يحكى أن للجاهل نشوة حين يحدث، يرميك بالأنعاث والتمرد ـ يروى أن داء الجاهل نفسه ، وترياقه التجاهل وإن استعصى له.
للجهل أوتاد سراب يثبت بها خيمته ، تسمع دبيب النمل حيث يحدث الهرج
فكن ذاك المعول الجاثي لجدور جهله ، واسقي بنفسك بذرة العلم وإن بدى شح الغمام واستئنس وحشته”.

محمد الغالمي
مدون مغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض