
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 15
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
ـ الفقيه محمد بن أحمد العبدي الكانوني.. سبق الحديث عن هذا الرجل من خلال بعض كتاباته عن أسفي ، فهو أحد رجالات هذه المدينة ، ممن تركوا بصماتهم قوية على تاريخها ، كما أبدع وكتب عنها على حد ما عرفنا سابقا .. فهو إذن أحد رجال الفكر والأدب والتاريخ والبحث، ورائد من رواد الحركة الوطنية.
كان هذا الفقيه مشهورا بحزمه وجده ومواصلته للعمل من أجل إحياء الثقافة المغربية وإذكاء روح السلفية.. تلك السلفية التي لم تكن في يوم من الأيام مصدرا للعنف والإرهاب وترويع الأمنيين، إذ إن هذه الحركات التي ظهرت في عصرنا الحاضر المدعية للانتساب للسلفية، ما هي إلا حركات دينية متطرفة، تحاول أن تطمس معالم جذور السلفية الحقة الضاربة في أعماق التاريخ والناقضة لضلالات وأوهام الفرق المنحرفة. للفقيه الكانوني إطلاع كبير مما يدل على نبوغه وسعة خاطره في البحث والدراسة.
ـ الفقيه محمد بن الطيب الباعمراني… ولد بأسفي عام 1906 في بيت من بيوتات هذه المدينة العريقة، وبين أحضان مساجدها ومدارسها العتيقة ..تلقى مختلف العلوم الدينية على يد فقهائها من أمثال: الفقيه الأديب محمد التريكي، والفقيه محمد مولاي الحاج، والفقيه عبد الرحمان المطاعي، والفقيه علال بن حمو وغيرهم… إلى أن رحل إلى فاس حيث القرويين وفيها حصل على الإجازة.
كانت له مكتبة شكلت مركز إشعاع فكري وسياسي بالمدينة، يشرف عليها ويسهر على إمدادها بمختلف المصادر والمراجع.. فكانت حقا قبلة لمثقفي مدينة أسفي، شأنها في ذلك شأن مكتبة السي الحبيب البخاري التي كانت تعد ناديا أدبيا بامتياز..
لقد كانت مكتبة الأستاذ الباعمراني تحتوي على كتب قيمة في مختلف المعارف، جعل منها صاحبها صالونا أدبيا يجتمع فيه رواد الحركة الوطنية وفقهاء المدينة وطلاب العلم.
توثقت علاقته بالفقيه عبد السلام المستاري والفقيه محمد الهسكوري، وكلهم كانوا من رواد الحركة الوطنية بأسفي، كما كان لهم من بعد النظر على الصعيدين المحلي (أسفي) والوطني.
أحب مدينة أسفي وتفانى في خدمتها بما قدمه من تضحيات جسام يشهد له بها الكثير من أهل أسفي، فكان قدوة في دماثة الأخلاق والوطنية الصادقة، والالتزام الحق، فتعددت نشاطاته ومكرماته وملاحمه الوطنية.
شارك في تأسيس الحزب الوطني.
ساهم في تأسيس حزب الاستقلال.
ساهم في تهييئ وثيقة المطالبة بالإستقلال..
شارك في غير قليل من الاتصالات مع عدد من الزعماء في مختلف الأقطار العربية وخاصة منها بلدان المغرب العربي.
وعلى الرغم من الأحكام التي صدرت في حفه إبان الاستعمار، والمنفى الذي تجرعه، ظل الرجل ثابتا لا يتزحزح عن تقديم أهم الخدمات والتضحيات لوطنه، مما جعله يحظى بثقة المغفور له جلالة الملك محمد الخامس الذي عينه اول عامل على إقليم أكادير، وقد اشترط الفقيه الباعمراني قبل القيام بهذه المهمة الصعبة، إحصاء جميع ممتلكاته. ومثل هذه النزاهة وهذا الورع قل نظيره في عالم اليوم، عالم تتقاذفه المصالح الضيقة الخاصة، فأين نحن اليوم من أمثاله هذا الرجل من رجالات مدينة أسفي الذين تركوا بصماتهم قوية طيلة مسيرة حياتهم.
بعد أن استبد به المرض، لقي ربه، فكان تاريخ وفاته سنة 1994.