ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 24

 إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

أبوبكر التريكي 
 
من مواليد مدينة أسفي . وللإشارة ، فإن المرحوم الأستاذ الطاهر واعزيز كان قد أتى بمقالة صغيرة فيمعلمة المغربتحمل فائدة محدودة ، حيث أورد أسماء بعض أجداد الفقيه محمد التريكي الأسفي كتب في شأنه أنههو ابن احمد بن الحاج الهاشمي بن الحاج عبد الرحمن بن عبد العزيز..” فمن أين أتى اسم التريكي الذي تعرف به هذه الأسرة العريقة بمدينة أسفي التي لا تنفرد بها وحدها ، إذ نجد أنها موجودة أيضا في الرباط وفي طنجة ، وبعد التحري ، ليست هناك أي علاقة بين هذه وتلك ، بل إننا نجد أسرة التريكي بتونس وليبيا أيضا . ويفترض المرحوم الأستاذ أحمد بنجلون أن اسم التريكي منسوب إلى موقع جغرافي هوالتريكةأوتريكةبدون تعريف . وقد يكون هذا الموقع قد اندثر وامحى ، كما هو الشأن بعدد من المدن التي اختفت وقد كانت مأهولة في عهود معينة.. مثل تلك التي يمر المسافر بأطلالها الماثلة في جهات كثيرة بالمغرب ، منها الموتفكات بأحواز أسفي ، وهي: سرنو ، المدينة ، مائة بئر وغيرها . ويتبادر إلى تاذهن أن لفظة التريكي ، ربما كان النطق بها هو ، التريكى بالكاف المعجمة ..
 
كان الأستاذ أبو بكر التريكي من خيرة شباب مدينة اسفي في عهده ، مثله مثل الأستاذ المرحوم محمد بلمقدم الذي سبق أن تحدثنا عنه في حلقة سابقة . فقد أعطى تواجدهما في هيئة التدريس هالة خاصة لمدينة أسفي التي أنجبت أطرا متميزة ومقتدرة ، ظلت متمسكة بالمبادئ السامية والأخلاق النبيلة والسلوك النزيه والقناعة المثلى .. فكان لهذا الصنف من رجالات أسفي دور طلائعي في سبيل إنجاز النقلة النوعية المنشودة الكفيلة بتحقيق الطموحات الوطنية المشروعة . فإلى جانب السي بوبكر التريكي ، كانت هناك ثلة طيبة تعمل جاهدة من أجل أن يعيش الوطن حرا كريما ، عالي الهمة .. من هؤلاء ، نذكر محمد والطالب وعبد الرحمان الشقوري ومحمد بلكاهية وعبد السلام الركيك وأحمد الدمني وغيرهم كثير من أبناء أسفي البررة . نهلوا من التعليم العصري ، فشكلوا نواة الحداثة التي كان المغرب في أشد الحاجة إليها بعد سنين طوال من الظلمات والتردي في متاهات التخلف القاتل . فقد شرع الأستاذ أبو بكر التريكي في تدريس الترجمة واللغة العربية عام 1954 بثانوية سيدي محمد بن يوسف التي كانت تعرف لدى عموم المراكشيين بالكوليج أحد منابت براعم الوطنية الصادقة وزهرات الشباب الواعي ممن سيتأتى لغير قليل منهم المساهمة الفعلية في بناء صرح المغرب ..
 
إن الأستاذ أبا بكر التريكي ،بتكوينه وتخصصه ، طبع عقول تلاميذه بأسلوبه في التدريس  إذ كان يهتم بصقل الأدمغة وإيقاظ الهمم وإذكاء روح الوطنية في النفوس ، غير ملتزم بالبرنامج البيداغوجي الرسمي . فكان تعليمه راقيا وتربيته للناشئة سامية ، كما كانت شخصيته العلمية وازنة ، وهو لا يختلف عن هذا في سمته ووقاره وقوة حضوره .
من موقفه الوطنية ـ رحمه الله ـ مع زميليه في التدريس ، الأستاذين ، عبد العزيز قنديل وحسن السايح ، أنه دعا سرا تلاميذه بكوليج مراكش إلى عدم حلق اللحى بمناسبة زيارة محمد بن عرفة إلى الثانوية المذكورة ، وكان ذلك يوم 04 مارس 1954 ، فاستجاب له كل التلاميذ وكانوا وقتها في قسم السنة الأولى باكالوريا .. فاستقبلوا سلطان الوقت وهم في أسوأ حال ، إذ كان يوم شؤم في حياتهم ، تعبيرا منهم برفض ابن عرفة ، والمطالبة بعودة السلطان الشرعي سيدي محمد الخامس طيب الله ثراه .
ومعنى ذلك ، أن الرجل كان يتمتع بمناقب ومحامد ومزايا ، وصفات ونعوت وعلامات منها  البذل والعطاء ، ورحابة الصدر ، وجمال الاتزان ، وبهاء القيادة والجرأة ، والإحساس بجسامة المسؤولية التربوية والتعليمية ، والقدرة المدهشة على تكسير حاجز الخوف ، ومقاومة ألسنة اللهيب .. إضافة إلى عنفوان حالم متدفق الصبيب ، إذ كان السي بوبكر التريكي دائم التحليق ، مؤمن بشمس المعرفة الزاهية ، يمتلك شخصية متفردة تجمع بين العلم والحلم ، الدفق الموسوعي والتواضع الرهيب ، الجدية والليونة التي تنزل بردا وسلاما على الذات فتنعشها وتدخلها في عوالم من الأحاسيس الزهراء
تلكم نبتة صالحة أنبتها هذا البلد الطيب ، إذ إن مدينة أسفي ظلت وستبقى دائما قوية برجالاتها ، شامخة بنبلهم وأخلاقهم ، موشومة بأكثر من وشم ، كم ستبقى دائما وفية للعرش العلوي . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض