ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 26

 إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

الحاج أحمد بنجلون : يعتبر المرحوم الأستاذ أحمد بنجلون من الأوائل الذين ساهموا بجهد وافر في إثراء الجوانب التربوية والأدبية والثقافية والفكرية في الجامعة المغربية منذ 1959، إضافة إلى ما قدمه من خدمات وإنجازات افاد بها مجتمعه. والذين يعرفون الأستاذ أحمد بنجلون، يدركون أنه شعلة من العزيمة الصادقة، والإيمان القوي بجدوى العمل الذي ينهض به. تقلب في أوساط علمية مختلفة ، فكان دائما مكان تقدير الجميع، إلى جانب ما عرف عنه من كفايته إدارية ، حيث أبان عن  حس إداري متميز إبان كان كاتبا عاما لكلية العلوم بالرباط من يونيو 1969 إلى شتنبر 1987، أو المدرسة الوطنية العليا للإعلاميات والنظم من سنة 1987 إلى 1992 حيث أحيل على التقاعد.. وفي كل عمل يسند إليه، يكون حسن التدبير، بعيد النظر ، مما جعله يحظى بتقدير واحترام كل الذين عملوا إلى جانبه، فسجلوا له إخلاصه ونزاهته.
   
عمل الأستاذ أحمد بنجلون في أول عهده بالتدريس بمدينة سطات قبل أن ينتقل إلى الرباط حيث درس بثانويتي: مولاي يوسف وعمر الخيام، فكام موجها تربويا فاضلا.. ثم انتقل بعد ذلك إلى كلية الآداب بالرباط عام 1959 لتدريس مادة الترجمة في شعبة دبلوم اللغة العربية . وبموازاة مع ذلك، كلف بتدبير شؤون الموظفين والطلبة بنفس الكلية ، من سنة 1966 إلى 1969. ثم بعد ذلك، التحق بكلية العلوم بالرباط، حيث عين بها كاتبا عاما.
  
نعم ، هذا هو الأستاذ أحمد بنجلون ، رجل عمل وكفاح ، اتسمت شخصيته بالتأثير ، وهذه الصفة لا يمتلكها إلا من سمت وارتقت أخلاقهم ونبلت سلوكاتهم . لذلك فهو في مكانة القدوة الحسنة والريادة . عرفناه نظيف السريرة والسيرة ، رقيق التعامل . صان قلمه وفكره ليسخره فيما يرضي ضميره . فكان من المثقفين المغاربة المميزين . كان دائما يحب أن يبقى بعيدا عن الأضواء . فمن منا لم يقرأ له روايتهخيرةأو مجموعته القصصيةأشواق وأشواكوغير ذلك من كتاباته الرصينة ، علاوة على المقالات الكثيرة والمتنوعة في مجالات مختلفة . كذلك ، لا ننسى أنه ترجم العديد من الأعمال ، كترجمته لكتاب : ” مرمولإلى جانب الأساتذة ، المرحوم محمد حجي و أحمد التوفيق ومحمد بنشريفة ومحمد الاخضر .. ثم ترجمته لكتابالجيش المغربي خلال التاريخللأستاذ عبد الحق المريني ، وكذا ترجمة كتاب : ” استراتيجية التربية والتعليم لأبناء الجاليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا ” . فقد كان خبيرا بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ـ الإيسيسكو .. ثم لا ننسى أيضا ترجمته لمصطلحات القرآن الكريم إلى الفرنسية ، وبعده ترجمة صحيح مسلم ، وأعمال أخرى في طريق الإنجاز ، كانت ستعرف النور لو أطال الله في عمره .
  
كان الأستاذ أحمد بنجلون ـ رحمه الله ـ يعيش الحاضر بكل خصائصه وتحدياته .. ذو قدرة فائقة على إيجاد رؤية مستقبلية شافية للأمور ، يذيب الفاصل الزمني بين الأجيال بدون أن يشعر بذلك من تجمعه به صداقة ومودة . ومن هنا ، كان مقصد عدد مهم من الجمعيات الوطنية والدولية التي كانت تسعد بعضويته فيها . فهو عضو جمعية الفلسفة ، وعضو اتحاد كتاب المغرب العربي ، وعضو جمعية الندوة ، وعضو جمعية منتدى البيئة والتنمية المغربي والمغاربي ، وعضو لجنة جائزة الحسن الثاني للثقافة ، وعضو جمعية الخبراء المغاربة المتقاعدين ، وعضو فيدرالية جمعية آباء وأولياء التلاميذ بالرباط
  
والحقيقة أنه يطول الحديث عن مختلف الأنشطة والأعمال التي قام بها الأستاذ أحمد بنجلون رحمه الله .
ولا يخفى أن المرحوم بنجلون كأحد أبناء مدينة أسفي الغيورين عليها ، يعتبر المؤسس الأول لجمعيةحوض أسفيإذ إليه تعود فكرة تأسيس وخلق نواة جمعوية ينضوي تحت لوائها جميع كفاءات المدينة ، بغية النهوض بها ، حتى تسترد أمجادها وألقها المميز لها عبر التاريخ . فكان همه أن يرى مدينته تتبوأ المكانة التي يرتضيها لها الغيورون من أمثاله . فقد عمل منذ 1988 على جمع عدد كبير من أبناء أسفي المقيمين بالرباط ، ليضع بين أيديهم مشروع تأسيس جمعية كباقي الجمعيات التي ظهرت في ذلك الإبان ، كجمعية فاس سايس وجمعية أنجاد وجمعية الأطلس الكبير وجمعية رباط الفتح وجمعية أبي رقراق بسلا . وكنت حينها مقررا لجميع الاجتماعات التي كانت تعقد إما بكلية العلوم بالرباط  او المدرسة المحمدية للمهندسين أو المدرسة العليا للأساتذة .. والغرض هو لم شتات أبناء أسفي من مختلف المدن المغربية ، للعمل سويا من أجل الدفع بمدينة أسفي نحو التقدم والازدهار .. وقد كنا نلاحظ مدى تفاني وحدب وجدية الرجل لإخراج هذه الجمعية إلى الوجود .
وفي مبادرة سابقة من نوعها ، اهتم المرحوم سيدي احمد بنجلون بدراسة الأنساب الأسفية ، علما بأن هذا العلم ( علم الأنساب ) يضرب بجذوره في التاريخ العربي والإسلامي ، لكن العرب والمسلمين لا يهتمون به في الوقت الحاضر ، فيما يتجه الأوروبيون إلى الاهتمام به على نطاق واسع ، ذلك انه علم يهتم بدراسة تاريخ العائلات والحركات الديموغرافية للسكان وآثارهم وأماكن إقامتهم والحرف أو المهن التي مارسوها 
  
ففي إحدى كتابات الأستاذ أحمد بنجلون حول الأنساب ، يشير إلى أن البحث في هذا المجال قد قض مضجعه منذ عقود خلت ، فآل عل نفسه البحث في أسرة آل بنجلون الأسفية التي لم يكن يعرف عنها إلا النزر اليسير بسبب غياب الحالة المدنية وضياع تقييدات الأولين منها . فكان يشعر بالحيرة عندما تجمعه الظروف بأحد من أولاد بنجلون بأسفي ، مثل المرحوم السي علال الفخار الذي كان يعتبره ابن عمه ، او عندما يجتمع بالمرحوم السي عبد القادر بن الطيب الحكيم ، حيث يعتبره حفيد عمته ، ذلك أن جدة السي احمد بنجلون أم والده ، تنتمي إلى أسرة آل الحكيم .. فتشابه عليه الأمر ، لكنه ـ رحمه الله ـ أصر على البحث عن الأصول وتدوين الفروع ، لا سيما وأن الموت قد حصد كل المسنين من الأقارب ، وحتى الذين يقال عنهم في اصطلاح أهل أسفي أنهم فقط : ” رائحة الشحمة في الشاقورأي من كانوا من ذوي الصلة بالأسرة الكبرى ، مثل آل بلخضير وآل بنهيمة وآل الحكيم وآل الشقوري وآل الناظر وآل الخزامي وغيرهم .. وهكذا عزم على القيام بالبحث في مجال الأنساب الأسفية ، وهو موضوع غير مألوف لدى القوم ، غير شائع في الناس ، ليس معروفا لدى الأسر التي يستهدفها البحث ، وهي متفرقة بين أسفي ومراكش والصويرة وأكادير والرباط وسلا ومكناس وفاس وتطوان وطنجة وغيرها ..
فهناك أسر كتب الله لها القرار بأسفي ، وفدت إلى المدينة من جهات عدة ، فتركت بصماتها على الحياة المحلية بما جادت به قرائح أفراد منها في ميدان الثقافة ، وما تركه آخرون في صرح الحضارة والعمران ، وما دأب عليه غير هؤلاء وأولئك من نشاط اقتصادي ، تجارة وصناعة ، لبى حاجيات أهل المدينة وأهل بواديها ، فباتت هذه العائلات في معظمها نسبا وصهرا .. حيث شكلت نسيجا مجتمعيا متماسكا تأتى له أن يكتسب عبر تعاقب الأجيال قيما من الكرامة والشرف والتقدير ، لا تمييز عندهم بين الثري وما عداه ، إذ تجد أن هذا النسيج يشمل بخيوطه وحبكه الموسر والمعسر منهم ، في تجاور ودي يتواضع بعضهم للبعض ، محبة في الله ولواسع القربى .. وهم قائمون كالبنيان المرصوص في دروب وأزقة المدينة . فهؤلاء وأولئك ، هم أهل أسفي ورجالاتها ، أخلصوا لوطنهم ، وتشبثوا بمقدساتهم ، وتفانوا بأخلاقهم العالية التي لم تكن يوما محط مساومة أو مزايدة .
 
وهكذا ، أجز السي احمد بنجلون وعده ، وأكمل مشروعه على الرغم من الصعوبات التي واجهته ، فاجتمع لديه حصاد مهم من الوثائق ( مثل عقود النكاح ـ المواريث ـ المخارجات ـ المعاملات والعقارات)
كلها تتعلق بآل بنجلون وآل الخزامي ، بل امتد مشروعه إلى تناول أنساب عائلات أخرى كانت مرتبطة بمصاهرات مع آل بنجلون ، ويتعلق الأمر بآل بنهيمة وآل بلخضير ، وآل الشقوري وآل الحكيم ، وآل بلكاهية وآل الكراوي وآل الوحيدي وغيرها .. حيث اكتملت لديه خارطتها  .
  
هذا هو السي أحمد بنجلون ، حركة ثقافية لا تهدأ ، وحضور ثقافي جعل حياته منهلا لا ينضب .. وتبقى ثقافته وفكره الثروة الحقيقية التي تحدد معالم شخصيته وعمق تفكيره وسعة اطلاعه . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة عشر + 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض